مجلة المجلة 24/11/2017
يوسف عزيزي
اغتالت اياد آثمة يوم الاربعاء 8/11/2017 الناشط السياسي الأهوازي البارز احمد مولى النيسي (ابوناهض) امام منزله في مدينة لاهاي بهولندا. وقد اتجهت اصابع الاتهام ومنذ اللحظات الاولى الى اجهزة الامن الإيرانية الحافل سجلها بمثل هذه الجرائم.
وقد هز الحادث، ضمير الأهوازيين بل واصحاب الضمير من سائر الشعوب الإيرانية والعربية، اذ تحول تشييعه وتأبينه بمدينة لاهاي في يوم الاحد 12/11/2017 الى تظاهرة واسعة توحدت خلالها، عواطف الأهوازيين بمعظم اتجاهاتهم السياسية، حيث حضرت تلك التظاهرة، شخصيات ومجموعات مستقلة وفدرالية وتحررية اهوازية، منددين بذلك العمل الاجرامي. وكان للدم الأهوازي المسال على ارصفة لاهاي، تاثير في تقارب القلوب في الخارج والداخل، بل وشهد قضاء الشعيبية في اقليم عربستان – مسقط رأس ابوناهض – تشييع رمزي للجنازة المغطاة بعلم عربستان واجتمع لفيف من النساء في بيت والده رددن قصائد حماسية ووطنية رثاءا للراحل؛ واقام والده مجلس عزاء رغم تحذير الاستخبارات الإيرانية، مما ادى الى اعتقال اثنين من اشقاءه. كما تحدت الجماهير العربية الحواجز التي اقامها الامن الإيراني على الطرقات المؤدية الى قضاء الشعيبية للحضور في مجلس العزاء. واكد شهود عيان ان عناصر من الاستخبارات كانت حاضرة بلباس مدني في المجلس لمراقبة الاوضاع ولمنع الناس من القاء القصائد واقامة العزاء الاهوازي التقليدي المتمثل بالزجل (الهوسات) وماشابه ذلك.
لماذا تورط النظام الإيراني في عملية الاغتيال؟
توجد هناك ادلة تؤكد تورط النظام الإيراني باغتيال احمد مولى، اشير هنا الى البعض منها: اولا، في العام 2014 اتصل بي صديق اهوازي يختلف معي سياسيا، قائلا انه تلقى مكالمة من مصدر اهوازي موثوق في الاستخبارات الإيرانية يطلعه بوجود خلية للاغتيالات في هولندا تتكون من لبنانيين وعراقيين. ومن ضمن اهدافها القيام باغتيالي انا، طالبا مني أخذ الحذر والحيطة. فشكرته على تلك المعلومة. وقد اتصلت به بعد اغتيال ابوناهض وطلبت منه ان يتصل بالشرطة الهولندية ويخبرهم بالمعلومة التي زودني بها قبل ثلاث سنوات.
ثانيا،غرد الصحفي الإيراني المخضرم امير طاهري يوم 17/11/12 على صفحته في تويتر قائلا انه سمع من اصدقائه الهولنديين ان ” في العام 2015 اطلقت الحكومة الهولندية سراح 7 مشبوهين بالارهاب تم ايفادهم من طهران، وذلك في صفقة سرية مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية مقابل اطلاق سراح عبدالله المنصوري الذي كان مسجونا في إيران انذاك”. وقد قضى الناشط الأهوازي فالح عبدالله المنصوري نحو 8 سنوات في السجون الإيرانية بعد زيارته الى سورية وتسليمه من قبل حكومة بشار الاسد الى إيران عام 2007. ومن المحتمل ان هؤلاء السبعة المشبوهين هم الذين اخبرني عنهم صديقي المتواجد في احدى دول المغرب العربي.
ثالثا، في 17/8/10 اعلن الجنرال حسين سلامي قائم مقام القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني ” اننا نعرف قدرات الاعداء جيدا ولدينا تراكم من القوة للتغلب عليهم” مؤكدا ” نحن اليوم نطارد اعدائنا خارج حدودنا”.
رابعا،احصاءات سابقة نشرتها مؤسسات حقوق انسان إيرانية تفيد ان النظام الإيراني قام باغتيال نحو 317 ناشط ومعارض إيراني في اوروبا والولايات المتحدة بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979.
مخاوف عن استئناف الاغتيالات
لم تعلن الحكومة الهولندية حتى اللحظة عن هوية الجاني او الجناة وهناك قلق أهوازي حول احتمال التستر على نتائج تحقيقات الشرطة الهولندية، خاصة وان هناك صفقات اقتصادية مربحة عقدتها هولندا مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول 5+1 في العام 2015، اهمها عقد شركة شل، الهولندية – البريطانية، لتطوير حقول النفط والغاز في الضفة الشرقية للخليج في جنوب إيران. ويبدو انه يتحتم على الأهوازيين ان يكثفوا من ضغوطهم على الحكومة الهولندية بشتى الطرق للحيلولة دون التعتيم والتستر على نتائج التحقيقات بشأن اغتيال احمد مولى النيسي. ويعد هذا الامر ملحا لان عملية الاغتيال وهي الاول من نوعها بهذا الشكل ضد نشطاء أهوازيين، اثارت المخاوف بإستئناف الاغتيالات السياسية ليس ضد الأهوازيين فحسب، بل وسائرنشطاء القوميات الإيرانية. اذ تم اغتيال المعارض الإيراني سعيد كريميان مدير شبكة ” جم تي في” Gem TV مع شريكه الكويتي محمد متعب الشلاحي في ابريل من هذا العام في اسطنبول. ورغم التوقف النسبي للاغتيالات في عهد محمد خاتمي غير انها لم تنقطع، بل استمرت ضد نشطاء اهوازيين واخرين من سائر القوميات غير الفارسية. وقد شهدت مدن اقليم عربستان خلال الاعوام العشر الماضية تصفيات جسدية لنشطاء وشعراء قوميين، إما بالتسمم او بحوادث سيارات مفبركة او بطرق غير مرئية اخرى. فمن اشهر الذين قتلتهم الاستخبارات الإيرانية بالتسمم في الأهواز هو الشاعر المناضل ستار صياحي (ابوسرور). كما تم اغتيال الناشط الأهوازي منصور سيلاوي الأهوازي في مارس 2008 بشكل مفاجيء في لندن واتهم زملائه البريطانيين، الصحفي الشيعي الهندي احمد كاظمي باغتياله حيث كان يراوده في لندن. وقد اعتقلت السلطات الهندية، كاظمي في العام 2012 بعد ان قام بهجوم ارهابي على احد الدبلوماسيين الاجانب المعادي لإيران في نيودلهي.
ويأتي اغتيال احمد مولى اثر خشية النظام الإيراني من تنامي الحركة القومية في اقليم عربستان- بشقيها الفدرالي والاستقلالي – وسط توترات اقليمية ودولية بين إيران من جهة ودول الخليج والولايات المتحدة الاميركية من جهة اخرى. ولاننسى ان النظام وظف منذ عقود عدد من الاهوازيين المخلصين له في صفوف استخباراته الناشطة في الدول العربية واوروبا (اطلاعات برون مرزي) وبعث البعض منهم الى اوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج تحت مسميات ناشط سياسي و اعلامي وباحث وماشابه ذلك.
وقد حول اكراد إيران قضيتهم الى قضية دولية وتمكنوا من كسب عطف الدول الاوروبية بعد اغتيال قادتهم، د.عبدالرحمن قاسملو (في 1989) ود. صادق شرفكندي (في 1992)، اذ ادى اغتيال الاخير الى ازمة في العلاقات الإيرانية – الاوروبية استدعت معظم الدول الاوروبية خلالها سفرائهم من طهران احتجاجا على ذلك.
لماذا تقوم السلطة الإيرانية بمثل هذه الجريمة؟
ربما يسأل سائل: لماذا تقوم السلطة الإيرانية بتنفيذ مثل هذه الجريمة وهي التي تحتاج الى تلميع وجهها ومسح ماضيها الارهابي في العالم والمنطقة، حيث تواجه توترا متصاعدا في علاقاتها مع الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية والدول الخليجية. فرغم اني اعتقد ان كافة اجنحة النظام الحاكم في إيران متفقون على تنفيذ هذا العمل الارهابي للاسباب التي ساذكرها هنا، لكن حتى لو فرضنا جدلا عدم موافقة مايسمى بالجناح المعتدل المتمثل بحسن روحاني وجماعته في السلطة، فان للجناح المتشدد اليد العليا والاقوى في هذه السلطة وهو الذي يهيمن فعلا على المؤسسات الامنية والاستخبارية بما فيها المؤسسات الموازية التابعة للدولة العميقة، واهمها مؤسسة الاستخبارات التابعة لقوات الحرس الثوري التي تضم فيلق القدس.
ويبدو ان الحسابات التالية تقع وراء قيام القوى الامنية الإيرانية بتنفيذ هذه الجريمة بواسطة عناصرها او اخرى مأجورة 1.التخلص من عدو لها كانت تطارده منذ العام 2005 اي منذ قيام مجموعته السياسية بعمليات مسلحة داخل اقليم عربستان بهدف استقلال هذا الاقليم، وكذلك دورها في ايجاد تنسيق عسكري مع الجيش السوري الحر التي اثار مخاوف طهران
2. زرع الفتنة بين المجموعات السياسية الأهوازية بواسطة الايهام بان المنافسين له هم الذين قاموا بذلك. وقد بدأت بعض وسائل الاعلام الإيرانية تشير الى ذلك
3. زرع الذعر والخوف في قلوب النشطاء الأهوازيين، بل وسائر النشطاء من القوميات الاخرى
4. اعتقاد السلطة الإيرانية بانه لن يتم الكشف عن القائمين بالجريمة بسبب المهنية العالية في تنفيذها، بل وحتى لو وصلت الشرطة الى رؤوس خيوط في الكشف عن الجناة ستمتنع الحكومة الهولندية عن كشف ذلك بسبب العلاقات الاقتصادية المتطورة والعقود المربحة التي عقدتها الشركات الهولندية مع إيران. كما ان النظام الإيراني ياخذ بعين الاعتبار احتمال القيام بصفقة لتخليص الجناة بعد فترة من السجن في حال تم اعتقالهم. وهذا ماحدث بالفعل مع دول اخرى كفرنسا بعد اغتيال شابور بختيار اخر رئيس وزراء في عهد الشاه في باريس، وكذلك في النمسا،عقب اغتيال امين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني د.عبدالرحمن قاسملو وفي برلين بعد اغتيال خلفه د. صادق شرفكندي.