يوسف عزيزي
الشرق القطرية 26- مايو- 2004
رغم الجهود التي تبذل في الإعلام الايراني (وهو بمعظمه فارسي) للتعتيم على قضية القوميات غير الفارسية و ايجاد حالة من التابو حولها، غير أن الاحداث والتطورات الداخلية والاقليمية والدولية اخذت ومنذ سنوات تفرض نفسها على الحكومة في هذا المجال.
القوميات غيرالفارسية في خطاب السلطة الايرانية
فقد دعت وزارة الداخلية الايرانية يوم السبت الماضي عددا من القوميين و الاصلاحيين الحكوميين في ندوة تحت عنوان” الهوية الوطنية في ايران و دور القوميات فيها”. و تم افتتاح الندوة برسالة وجهها الرئيس محمد خاتمي تلتها كلمة وزير الداخلية عبدالواحد موسوي لاري و كلمات سائرالمدعوين حيث استمرت حتى المساء.
ويبدو من رسالة الرئيس خاتمي أنه ينوي تقديم تعريف للهوية الايرانية بقومياتها الفارسية وغير الفارسية حيث اكد:” ان المجتمع الايراني هو نتاج تاريخ قديم لهذا الشعب العريق يصل الى الوف السنين وهو (اي المجتمع الايراني) محصلة للتعامل بين المجموعات القومية التي تشكل الهوية الوطنية والثقافية لايران، حيث اضافت كل منها وقدر مستطاعها الى هذه الهوية واستحالت بالنهاية في هذه الهوية الثقافية الكبيرة واصبحت جزءا منها”.
واكد خاتمي في رسالته على التعددية القومية ووحدتها واعتبار هذه القوميات من المكونات المهمة للهوية الايرانية.
وقال خاتمي: ” إن نفي وجود القوميات وكذلك إثارة النزعات القومية المتشددة يعارضان تعاليم الدين الاسلامي ويتناقضان وذات الهوية الايرانية؛ وهما كوجهي عملة واحدة يثيران تحديات جدية امام الهوية القومية الايرانية”.
ورسالة خاتمي رغم نماقتها وانشائها الجميل يطغى عليها السطحية لانها لم تتطرق الى لب الموضوع وهو الاضطهاد القومي للشعوب والقوميات غير الفارسية وأساليب معالجته، بل وحتى تطبيق مواد دستورية يتعلق فقرات منها بتدريس لغات القوميات غير الفارسية في المدارس الابتدائية وهي لاتزال مجمدة لم تنفذ. وقد اعترف خاتمي سابقا بوجود هذا الاضطهاد وخاصة على الاكراد لكن كان ذلك خلال الحملات الانتخابية!
وكانت كلمة وزير الداخلية اكثر واقعية عندما تساءل :”لماذا تتمتع بعض المناطق في ايران بالتطور و التنمية و لم تتمكن مناطق اخرى ان تجرب عملية التنمية كما هو يجب؟” مؤكدا: “ان الاستفادة من ثمرات التعددية القومية في الجغرافية الايرانية منوط بالبحث عن الجواب المنطقي والحقيقي لهذا السؤال”.
وقال علي ربيعي المستشار الأمني للرئيس الايراني: “إننا واجهنا دوما المشاكل في سياساتنا واساليبنا تجاه القوميات” مشيرا الى تداعيات مابعد احداث 11 سبتمبر مؤكدا:” اننا لانستطيع ان نكون بمنأى عن تفاعلاتها”.
واعترف ربيعي بان معظم القوميات غير الفارسية تسكن في مناطق يسودها الحرمان ” وان هذا يعود الى استراتيجية خاطئة تقول: كلما كانت المنطقة افقر كلما تكون الرقابة اكثر”. ولم يوضح المستشار الأمني لخاتمي اي شيء آخر حول هذه الاستراتيجية التي يبدو انها سائدة بشأن القوميات غير الفارسية.
واكد ربيعي: “وفقا للتجارب الماضية في ايران، لم تثمر بعد الآن سياسات الاقصاء او هضم القوميات غير الفارسية” وهو يعني بذلك سياسات التفريس.
وطالب الباحث والاستاذ الجامعي مهرداد شيخاوندي على ضرورة التكافؤ بين القوميات والشعوب الايرانية مشيرا الى دراسات قامت بها مؤسسة التخطيط والميزانية الايرانية والتي تفيد “بأن السنة في ايران هم اكثر فقرا قياسا بالشيعة”.
وتطرق شيخاوندي الى عملية توزيع السلطة في ايران قائلا:” ان في هذه العملية لايمكن للسنى ان يتبوأ مناصب في السلطة الايرانية”.
ووصف حميدرضا جلائي بور احد منظري الاصلاحات و القيادي في حزب جبهة المشاركة الايرانية وصف الحركة القومية الكردية في ايران بالفاشلة وذلك بسبب الصراعات المسلحة التي خاضتها قيادتها المتمثلة بالحزب الديمقراطي وحزب كوملة ضد السلطة الاسلامية في السنوات الاولى لقيام الثورة في ايران. لكنه قال إن القضية الكردية ماتزال قائمة مدعيا بان “حكومة خاتمي لم تنتهج سياسة التفريس للقوميات الايرانية حيث علينا ان ننتبه كي لاينتهجها احد في المستقبل ايضا”. وهذا يعني ان هذه السياسة كانت متبعة قبل خاتمي وهناك قلق من اعادتها بعد نهاية فترة رئاسته.
واعترف جمشيد انصاري محافظ اقليم اذربيجان الغربية – الذي تقطنه غالبية تركية اذرية – ان الهوة بين المناطق الحدودية وبين مناطق وسط ايران في عملية التنمية، اتسعت خلال الحقبتين المنصرمتين مضيفا: ان معظم مخططات التنمية في ايران ركزت على المناطق الوسطى (المركز) وان ما حدث في مناطق (المحيط) هو ينحصر بالبنى التحتية الأولية ليس إلا.
يذكر ان ما يوصف بالمناطق الحدودية او (المحيط) يضم قوميات غير فارسية – بما فيهاالاقليات السنية- حيث تشكل اكثر من نصف سكان ايران؛ فيما لايشكل (المركز) او المناطق الوسطى الا اقل من نصف السكان و هم من الفرس الشيعة.
وقال المساعد السياسي السابق لوزير الداخلية والقيادي في حزب جبهة المشاركة مصطفى تاج زاده ان هناك نظرتين لقضية القوميات في ايران: نظرة تعتبرها فرصة ونظرة اخرى تعدها تهديدا لاستقلال ايران ووحدته الترابية، مؤكدا ان القضية لايمكن معالجتها” الا بتطوير الديمقراطية ذات المنشأ الداخلي وان الاستبداد الداخلي ولو كان دينيا محكوم بالفشل”.
وأشار تاج زاده على ان الشيعة، أغلبية في ايران و العراق فقط، مؤكدا :”ان تقديم نموذج لنظام ديمقراطي في ايران يعني الدفاع عن حقوق الشيعة في كل انحاء العالم، وفي مثل هذه الحالة يمكن ان نتوقع بان تصان حقوقهم في الدول الاخرى”.
ويفهم من كلام تاج زاده ان الاصلاحيين او معظمهم وكذلك المحافظين المعتدلين يعتبرون التعدد الاثني والقومي في ايران، فرصة فيما يعتبره المتشددون (من الاتجاهات القومية والدينية) تهديدا لايران. والتباين يبدأ بين كل هذه الاتجاهات السياسية عندما يطرح سؤال: “هل هناك اضطهاد قومي في ايران واذا كان قائما كيف نعالجه؟”.
التركيبة القومية و المذهبية في ايران
فهذه الندوة لم تضم الا شخصيات اصلاحية وقومية فارسية وذلك خلافا للسابقة التي عقدتها وزارة الداخلية قبل عامين وشارك فيها مفكرين و نشطاء من القوميات غير الفارسية، بما فيهم صاحب هذا القلم. ويبدو ان هناك تراجعا في الخطاب الاصلاحي تجاه القوميات غير الفارسية في ايران. خاصة اذا تذكرنا ان حزب جبهة المشاركة وهو اكبر تنظيم سياسي اصلاحي لم يتطرق في مؤتمره الاخير في طهران لا من بعيد ول امن قريب لقضية القوميات في ايران وذلك خلافا لمؤتمراته السابقة. فهذا لايعني باننا نغض النظر عن دورالحركة الاصلاحية في الصحوة التي تشهدها الشعوب و القوميات الايرانية منذ انتخاب خاتمي رئيسا للجمهورية في ايران عام 1997. ويبدو ان العامل الأساسي الذي يحث الحكومة الايرانية باقامة مثل هذه الندوات والاجتماعات هو:الصحوة المتنامية للقوميات غير الفارسية في الداخل والمؤثرات الاقليمة مثل ما يحدث في افغانستان من صياغة دستور جديد يعترف بحقوق القوميات غير البشتونية مثل الطاجيك والاوزبك والبلوش والتركمان والنورستانيين والشيعة الهزارة او ما يحدث في العراق من احتمال اقامة نظام فدرالي يمنح الحقوق الكاملة للقوميات والاديان والطوائف كالشيعة والكرد والتركمان والسريان والارمن.
كما وبدأت ابناء القوميات الايرانية غير الفارسية في الغرب بانشاء احزاب ومنظمات سياسية وثقافية ومواقع للانترنت واخذت تقيم الندوات والاجتماعات السياسية والثقافية للتأثير على الداخل وعلى الرأي العام الاوروبي والامريكي وبرلماناته وحكوماته ومنظمات الامم المتحدة التي نرى مواقفها في هذا الشان خلال الاعوام الاخيرة حيث اخذت تدعم ولأول مرة في تاريخ ايران الحديث، حقوق القوميات غير الفارسية.
ويبدو ان ايران تعاني من أزمة هوية بعد ان كانت تعرف في العالم بلغتها الفارسية ومذهبها الشيعي وعرقها الاري؛ حيث اخذت القوميات غير الفارسية تتحدى هذا التعريف لتكون ايران متعددة اللغات والثقافات والمذاهب. وتتكون ايران اساسا من فرس وترك وكرد وعرب وبلوش وتركمان. وعلى الرغم من فقدان اي احصاء رسمي لنسمة هذه القوميات فان هناك تقييماً يقول إن الفرس (بكل طوائفهم الشيعة والسنة ولهجاتهم وثقافتهم المتنوعة مثل اللور والبختيارية والكيلك) يشكلون اقل من %50 من سكان ايران والترك (بما فيهم الاذريين والخليج والقشقايين) يشكلون %33 والكرد (الشيعة والسنة) 10% والعرب الاهوازيين ( ومعظمهم شيعة) %5 والبلوش (معظمهم سنة) %3 والتركمان (معظمهم سنة) %3.