الثورة الإيرانية في يوبيلها الفضي

يوسف عزيزي

10 – 2 – 2004 الزمانazzaman_logo

يحتفل الإيرانيون هذه الأيام باليوبيل الفضي لقيام الثورة الإسلامية في11 فبراير 1979والتي تعتبر علامة فارقة في حياة الشعب الإيراني وفي تاريخ الثورات في العالم. وكانت تلك الثورة، ثاني ثورة يقوم بها الإيرانيون خلال قرن واحد حيث سبقتها ثورة الدستور”المشروطة” 1905-1908) ) وتعد الثورة الإسلامية، استثناء في قاعدة الثورات في العالم، حيث لم تحمل الثورات لا في فرنسا وروسية ولا في الجزائر وفيتنام أي سمات دينية بل بالعكس كانت جميعها ثورات علمانية. ويعلل بعض المحللين وقوع الثورة الإسلامية في إيران إلى تطبيق مشروع شبه حداثي للمجتمع الإيراني، تجلت فيه سمات المجتمع الجماهيري (مس سوسايتي) في السبعينيات من القرن المنصرم حيث شهد هذا المجتمع وبسبب ارتفاع أسعار النفط، عملية تنمية تعسفية وسريعة وغير متوازنة جدا لرأسمالية الهامش التي كانت سائدة في عهد الشاه. وقد أدت هذه العملية إلى تطورات اجتماعية واقتصادية هامة. فقد توسعت المدن التي أدت بدورها إلى انسلاخ الجماهير القروية من قراها وإضعاف العلاقات التقليدية القديمة. وولجت الجماهير الفقيرة والمتمردة المهاجرة من الريف إلى المدينة ولجت الساحة السياسية دون أي ثقافة ديمقراطية أو مشاركة سياسية. فلا المؤسسات الحكومية الرسمية في عهد الشاه كانت قادرة على استقطابها – وهي لم تتمكن من استقطاب الشرائح الاجتماعية الحديثة – ولا امكانات الأحزاب والمنظمات الحديثة والمعارضة للحكم الملكي كانت تسمح لها بالارتباط مع الجماهير المستاءة وتنظيمها. وقد تعرضت هذه الأحزاب لقمع وتنكيل نظام الشاه ومؤسسته الأمنية الرهيبة (السافاك). واستطاع الخطاب الإسلام السياسي أن يستقطب هذه الجماهير المليونية المترددة والمنفصلة عن العلاقات والهويات الجماعية التحديثية كالأحزاب والنقابات والمنتديات وان يقودها إلى التمرد على الوضع القائم آنذاك. إن ضعف المجتمع المدني والأحزاب السياسية المعارضة أدى أيضا بالشرائح الاجتماعية الحديثة كالطبقة الوسطى وطلبة الجامعات والبرجوازية المحلية ـ التي من المفروض أن تنتمي إلى خطابات سياسية متباينة – أدى بها أن تقبل الخطاب السائد عشية الثورة وهو الخطاب الثوري الشعبوي الإسلامي المعادي للإمبريالية. وتأتي معاداة الثورة الإسلامية للإمبريالية الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تدخلها في شؤون إيران الداخلية وخاصة الدور الأمريكي في الإطاحة بالحكومة الوطنية التي كان يترأسها الزعيم الوطني الراحل محمد مصدق في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وقد شغلت الثورة الإيرانية بعظمتها وشعبيتها بال العديد من الأدباء والمفكرين حيث انشد الشاعر العربي المعاصر ادونيس في عام1979 قصيدة أشاد فيها بالثورة وقائدها آية الله الخميني واعتبرها ردا على غطرسة الغرب وطريقا جديدا في حياة الشرق والمسلمين. كما انبهر بها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو وزار إيران في تلك السنة لغرض الفضول والاستطلاع وصنّفها ضمن ثورات ما بعد الحداثة ؛ لكنه غير رأيه فيما بعد وكتب رسالة إلى مهدي بازرغان أول رئيس وزراء عقب قيام الثورة، أعلن فيها عن خيبة أمله لما تتجه إليه الثورة من مسار وذلك بسبب ما وصفه باستئثار رجال الدين للحكم وابتعاد الثورة عن المسار الديمقراطي. وهذا ما حدث لادونيس أيضا حيث سحب تأييده للثورة الإيرانية واخذ ينقد مسارها السياسي. غير أن الثورة الإيرانية ورغم كل ما قيل ويقال عنها – وهو الكثير- تبقى ثورة هامة غيرت مجرى التاريخ الإيراني وأيقظت صحوة إسلامية في المنطقة والعالم وأطاحت بأعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم وكانت نهاية لـ25 قرنا من الحكم الاستبدادي للأباطرة والشاهات في إيران. ويبدو أن كل ما يعاني منه الإيرانيون من تضييق على الحريات الديمقراطية والاتجاهات الشمولية لدى بعض رجال الدين هو ناجم عن ارث شاهنشاهي استبدادي ثقيل يحتاج التخلص منه إلى مرور الوقت؛ ولذا نتمكن أن نصف الفترة الحالية في إيران بالمرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية. ويدعى بعض المحللين ان مبدأ “ولاية الفقيه” أو كما يصفها الدستور المعدل للجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 1989 ب”الولاية المطلقة للفقيه” هو استمرار لتقليد إيراني للمركزة السياسية والاجتماعية. مع الفارق أن الثورة قامت بتهديم الحكم الفردي الملكي المنسجم مع نفسه وأوجدت نوعاً من الشرخ في الحكم والتعدد في مؤسسات السلطة غير أن هذه المؤسسات لم تصل حد الاستقلالية والتأثير الذي نراه في الدول الديمقراطية وهي محكومة بسلطة رأس الهرم. والشرخ هذا موجود منذ ولادة الثورة الإيرانية حيث كان يضعف ويشتد وفقا للظروف السياسية والاجتماعية، وان ما نراه من ازدواجية في الحكم منذ انتخاب محمد خاتمي كرئيس للجمهورية قبل 7 سنوات وحتى الآن يعود إلى هذا الأمر. وما يبذله المحافظون من جهود هذه الأيام للهيمنة على البرلمان ومن ثم الحكومة يهدف إلى توحيد مؤسسات الحكم، غير أن هذا لن يحصل بصورة كاملة كما كان في عهد الشاه بسبب طبيعة الدستور الإيراني والتناقضات القائمة في نصه. فأهم تناقض سياسي هو بين المؤسسات المنتخبة بأصوات الشعب مباشرة من جهة كرئاسة الجمهورية والبرلمان والمجالس البلدية والمؤسسات غير المنتخبة كمجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام. وتبقى مؤسسة ولاية الفقيه بين الاثنين لأن ولي الفقيه منتخب لفترة غير محددة من قبل مجلس خبراء القيادة وهذا المجلس هو بدوره أيضا منتخب من قبل الناس،غير أن جميع أعضائه هم من رجال الدين فقط وان مجلس صيانة الدستور ـ المعين أعضاؤه من قبل المرشد- هو الذي يزكي تأهيل المرشحين لهذا المجلس. وأما الاقتصاد الإيراني، خليط من مؤسسات تابعة للقطاع العام وهو قطاع واسع (نحو80 في المائة) والقطاع الخاص وهو قطاع صغير نسبيا ( 20في المائة تقريبا). لكن نفس القطاع العام أيضا ينقسم إلى قطاع تابع للحكومة التي يرأسها حاليا محمد خاتمي (نحو 40في المائة من القطاع العام) وقطاع تابع لمؤسسة ولاية الفقيه ( نحو60 في المائة من القطاع العام) ويشمل القطاع الأخير، مؤسسات عملاقة كمؤسسة المستضعفين التي تملك جميع الشركات المصادرة والتابعة سابقا للشاه وحاشيته والبلاط الملكي المنهار وكذلك مؤسسة “إمداد الإمام” التي تملك العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية. ويعفي الدستور الإيراني هذه المؤسسات الاقتصادية من دفع الضرائب للحكومة التي ليس لها أي إشراف على إدارتها. وقد جاءت الحركة الإصلاحية في أواسط التسعينيات من القرن الماضي لحل الأزمات السياسية والاقتصادية التي أخذت تعصف بالمجتمع الإيراني عقب انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية (1988-1980). وقد تواصلت عملية اتساع المدن على حساب القرى في إيران بعد الثورة حيث ارتفعت في الفترة 1977- 2001 نسبة سكان المدن من 47% إلى 66% وبلغ عدد المدن في نفس الفترة من373 الى700 مدينة. وارتفع عدد المدن التي تحوي أكثر من 25 ألف نسمة من 16 إلى 23 مدينة خلال الفترة 1986 – 1996 ، حيث يعيش نحو ثلث سكان البلاد حاليا في 5مدن كبرى. كما ارتفعت نسبة الشباب ( 15-24 سنة) من 18.9% إلى 24.5% من عدد سكان البلاد أي مايعادل10 ملايين نسمة. وارتفع عدد الطلبة الجامعيين في إيران من175 ألفا في عام الثورة إلى نحو مليوني طالب حاليا، ناهيك عن ازدياد عدد الجامعات

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور