ايلاف – 10 ديسمبر 2013
يوسف عزيزي
لم تلغ الجمهورية الاسلامية، بعد انهيار النظام الملكي في 1979، التركة المشؤومة الخاصة باضطهاد القوميات غير الفارسية والتي ورثتها من النظام البلهوي. وقد بذل النظامان جل مساعيهما لطمس هوية هذه الشعوب وخاصة العرب منهم. واقول خاصة لان هناك حقد تاريخي معادي للعرب مترسخ في وعي ولاوعي النخب الفارسية، بل وبعض الفئات الاجتماعية الاخرى. ضف الى ذلك الخلافات السياسية المستمرة بين الدولة الايرانية من جهة والدول العربية من جهة اخرى، وذلك منذ تأسيس المملكة العربية السعودية والدولة العراقية الحديثة في اوائل القرن العشرين، مرورا بنظامي عبدالناصر وعبدالكريم قاسم في اواسطه وحتى الانظمة العربية الحديثة في الخليج في اواخر القرن العشرين الى هذه الساعة. وقد تم شطب 5 قرون من تاريخ الشعب العربي وادبه خلال الحكم العربي في مملكة عربستان، من المواد الدارسية في المدارس والجامعات. وتعتمد الاوساط القومية والمعادية للعرب في الجمهورية الاسلامية في جهودها لإمحاء الوجود العربي في عربستان على الاساليب الناعمة والخشنة معا. كما انها تستخدم امور مختلفة منها مصادرة الاراضي الزراعية والكوارث الطبيعية لتنفيذ استراتيجيتها المرسومة منذ سقوط الحكم العربي عام 1925 والقائمة اساسا على اجتثاث العرب من هذه الارض، لكنها وكمقدمة تحاول ان تصنع منهم اقلية في عربستان لتنقض عليهم نهائيا بعد ذلك.
فالى جانب الاضطهاد العرقي، كان نظام الشاه المخلوع يفتح نوافذ سد “الدز” اكثر من اللزوم عند هطول الامطار الغزيرة في الجبال التي تحتضن هذا السد في شمال الاقليم وذلك لإيجاد الفيضانات وغرق المزارع والقرى والبلدات العربية الواقعة في سهل عربستان.
حاليا تقوم الجمهورية الاسلامية التي بنت نحو 5 سدود كبيرة على نهر كارون، باغلاق منافذها من اجل حرف مياه النهر الى اصفهان وسائر المدن الفارسية الواقعة في وسط البلاد.
وقد شهدت الاهواز وبعض المدن الاخرى في الاقليم خلال الاسابيع الماضية ظاهرة نادرة لم يشهدها المجتمع الاهوازي من قبل. فمع هطول اولى الامطار الخريفية في عربستان، اُدخل في الفترة 9 – 19 نوفمبر الجاري، اكثر من 50 الف شخص الى المستشفيات بسبب الاختناقات الناجمة عما يوصف بالامطار الحمضية السامة. فاذا اضفنا الى ذلك، قضايا اخرى كتجفيف نهر كارون بسبب ما ذكرناه انفا، والاعاصير الرملية التي تفتك بالشعب العربي الاهوازي منذ سنوات، وتجفيف هور العظيم، وتلوث اجواء مدينة الاهواز التي اصبحت اكثر مدن العالم تلوثا، والاعدامات والاعتقالات والفقر والتهميش والتحقير والاضطهاد القومي، يمكننا القول ان وجود هذا الشعب مهدد بالانقراض. فمن المعروف ان نسبة السرطان والامراض القلبية الناجمة عن تلوث “الماء والارض والسماء” في عربستان اعلى من معدلها على مستوى ايران.
فاذا لن يتحرك الشعب العربي الاهوازي بكل فئاته وطبقاته، سيصبح كالاقوام البائدة في التاريخ. فقد زرت “مالطا” قبل سنوات ورأيت كيف طمس الاوروبيون الثقافة واللغة العربيتين في هذا البلد. وهذا ما حدث لشعب الاسكندرون في تركيا ايضا. فلم يبق من العروبة والعربية في مالطا، الا “النحو” اي انهم يتحدثون بلغة هجينة توصف بالمالطية وفقا لقواعد النحو العربي.
فقد تسبب تحقير واضطهاد العنصر العربي في عربستان في تفريس نحو مليون الى مليون ونصف عربي اهوازي خلال العقود الثماني المنصرمة. ومنذ اواسط الستينات اخذت المدارس تجبر الوالدين بالتحدث بالفارسية مع اطفالهم في البيت ايضا. وهذا ماتشدد عليه الجمهورية الاسلامية اكثر من النظام السابق. ونحن نعلم ان هؤلاء التلاميذ محرومون من التعليم بلغتهم العربية في المدارس ومضطرون ان يتعلموا بلغة اجنبية هي الفارسية.
كما قامت السلطات المحلية في عهد الرئيس السابق احمدي نجاد (2005 – 2013) بحملة واسعة لتحديد النسل في الاقليم وذلك باغلاق انابيب ارحام النساء العربيات. وهذا كان يتم في القرى اكثر من المدن، وذلك عكس ما كان يطالب به احمدي نجاد ويؤكد عليه حاليا مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي اي حرية الانجاب كي يرتفع عدد سكان ايران من 70 مليون حاليا الى 150 مليون مستقبلا للحد من تكاثر النفوس لدى القوميات غير الفارسية واهل السنة، حيث تضاعف خلال العقدين الاخيرين، 4 مرات قياسا للمناطق الوسطي التي تقطنها اكثرية فارسية.
في الواقع ان العرب في ايران يواجهون سؤالا فلسفيا هاما: “نكون او لانكون”. فلاشك ان “ترياق” الانقراض هو النضال ضد السياسات التي تستهدف الوجود العربي في عربستان. اي ان الصمود والكفاح الجماهيري ضد سياسات التفريس والاضطهاد القومي والعنصري سيبطل مفعول الاندثار التدريجي للشعب العربي الاهوازي.
فلامناص للشباب العربي المناضل في الاقليم الا ان يدرس بدراية كيفية الرد على سوء تدبير السلطة الحاكمة في طهران وفسادها وظلمها ضد العرب. ولابد لجميع الفئات الاجتماعية من نساء ورجال ان تنتظم وتنخرط في المؤسسات المدنية والثقافية والسياسية بما فيها المدافعة عن البيئة، وان تستخدم كل اساليب النضال الجماهيري والسلمي التي تسمح بها الظروف في الاقليم، كالاعتصامات وتشكيل السلاسل البشرية على ضفاف الانهر، او التظاهرات المحدودة في الاحياء والحارات، او الاجتماع امام المكاتب الحكومية ومندوبي البرلمان، وماشابه ذلك من امور. وتتحمل النخب السياسة الملتزمة، مسؤولية القيام بتنظيم النساء والعمال والفلاحين وطلبة المدارس والجامعات بشكل سري او شبه سري، وفقا للظروف السائدة في الاقليم وايران. المطلوب هو تشجيع المرأة الاهوازية – وهي نصف المجتمع – للمشاركة في العمل الاجتماعي والسياسي وكذلك النشاط بين العمال العرب وهم يناضلون من اجل حقوقهم المهنية ويحصلون على بعض الانجازات في الاهوازوعبادان ومعشور والتلال السبع (هفت تبه) ومدن اخرى لكن تحت يافطات غير عربية. فاذا لم تتبلور طبقة عاملة عربية واعية لعروبتها وثقافتها ولغتها ستصبح مطية للمنظمات الاخرى الآتية من خارج الاقليم والتي ترفع علم الدفاع عن العمال في ايران. فان حق الاحتجاج والتظاهر، حق مكفول دوليا ومنصوص عليه حتى في الدستور الايراني الحالي. كما يمكن اشراك الاقلية غير العربية من السكان الاصليين (وليس المستوطنين) في الاقليم في بعض الانشطة الاحتجاجية لانهم ايضا يتضررون في بعض الحالات، من سياسات الحكومة المركزية في طهران.