قضية القوميات ومرشحو الانتخابات الإيرانية

f1717307_Azizi Yيوسف عزيزي – السفير اللبنانية

تعد قضية القوميات غير الفارسية التي برزت إلى الساحة في مطلع القرن المنصرم في إيران، من القضايا التاريخية التي لم تحل حتى الآن حلا جذريا، شأنها شأن العديد من القضايا الديموقراطية الاخرى في البلاد.

وقد قامت <<الدولة الأمة>> الايرانية الحديثة بفعل مساندة بريطانيا العظمى للشاه رضا خان على حساب الترك والاكراد والعرب والبلوش والتركمان ولصالح القومية الفارسية حيث ادى هذا الخلل في اواسط الاربعينات من القرن المنصرم الى انبثاق حركات قومية غير فارسية اسفرت عن تشكيل جمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي بقيادة القاضي محمد في كردستان ايران وجمهورية آذربيجان ذات الحكم الذاتي في المناطق التي تقطنها اغلبية تركية اذرية شمال غرب ايران. غير ان الشاه محمد رضا بهلوي، كوالده، واجه هذه الحركات بعنف وقضى على الجمهوريتين ومنع نشر الكتب والصحف والتحدث باللغات غير الفارسية منعا باتا في المؤسسات الحكومية.

وقد استعادت القوميات عافيتها بعد قيام الثورة الايرانية في العام 1979 حيث قام الاتراك والاكراد والعرب والتركمان والبلوش بفتح مراكزهم الثقافية والسياسية ونشر خطابهم الاعلامي والثقافي. غير ان شهر العسل بينهم وبين السلطة الاسلامية الوليدة لم يدم الا مدة عامين حيث قامت الحكومة الثورية في العام 1981 بقمع الحركات التابعة للقوميات غير الفارسية متهمة اياها بالعمل لتقسيم ايران.

وفي العام 1997 انبثقت الحركات القومية غير الفارسية للمرة الثالثة في تاريخ ايران المعاصر. اذ وعد خاتمي مرشح الاصلاحيين في تلك الانتخابات بتطبيق المادتين 15 و19 من الدستور الايراني واللتين تنصان على عدم التمييز في تقسيم الامكانات والثروة بين كافة القوميات وتدريس لغات القوميات غيرالفارسية وآدابها في المدارس؛ غير انه لم يتمكن من ذلك بسبب معارضة المتشددين من الاسلاميين والقوميين الفرس له. وقد شهد عهد خاتمي (1997 2005) نوعا من النشاط الثقافي والاجتماعي للقوميات غير الفارسية وإصدار بعض الصحف بلغاتها غير انه لم يكن في المستوى المطلوب.

الآن وبعد ما شهدنا من احداث في هذا المجال، يتوسل بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الايرانية بالقوميات غير الفارسية للاستعانة بها لخوض المنافسة الصعبة والتي ستتضح نتائجها يوم السابع عشر من حزيران القادم.

وتعود أسباب هذه الظاهرة التي اثارت ردود فعل متباينة بين الاوساط السياسية الايرانية تعود الى انحسار الخطاب الاصلاحي وتنامي دور الحركات القومية بين الشعوب غير الفارسية في الاعوام الاخيرة والتي تشكل حاليا الى جانب حركتي الشباب والنساء رافدا اجتماعيا هاما في المجتمع الايراني.

وقد بدأ السجال في موضوع القوميات غير الفارسية ودورها في الانتخابات الرئاسية عندما اعلن احد مرشحي المعسكر الاصلاحي، الوزير السابق للتعليم العالي مصطفى معين في اواخر كانون الثاني الماضي نقاط برنامجه الخاصة بحقوق الاقليات والقوميات الإيرانية. لكن الامر الذي أثار حفيظة المعارضين لطرح موضوع القوميات غير الفارسية هو استقبال المرشح الآخر للاصلاحيين الرئيس السابق للبرلمان مهدي كروبي لعدد من نشطاء القوميات غيرالفارسية ومنهم كاتب هذه السطور والتزامه لهم بتطبيق المواد المتعلقة بحقوق هذه القوميات والمنصوص عنها في الدستور الايراني. وتبين لي في لقائنا مع كروبي انه قام بإنشاء لجنة خاصة بالقوميات غير الفارسية في مكتبه المسؤول عن الحملة الانتخابية.

كما ان المرشح الثالث للاصلاحيين، مساعد الرئيس الايراني لشؤون التربية البدنية مهر عليزادة وهو تركي أذري بدأ نشاطه الانتخابي مع اثنين من ابناء جلدته، رضازادة البطل العالمي لرفع الاثقال وعلي دائي قائد الفريق الاهلي لكرة القدم الايراني، وذلك بجولة قاموا بها في المحافظات والمدن التي يقطنها الاتراك الاذريون في ايران.

ولم ينحصر الامر بالاصلاحيين حيث حاول المرشح المحافظ والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي كسب ود القوميات من خلال زيارات قام بها لمؤسسات مدنية خاصة بالعرب الاهوازيين وللمحافظات التي تقطنها أغلبية تركية أذرية.

وعلى الرغم من ذلك، باءت محاولاته والمرشح الآخر للمحافظين، النائب في البرلمان احمد توكلي للاجتماع بنخب القوميات، بالفشل لامتناع هؤلاء من اللقاء بهما بسبب مواقفهما السابقة المناهضة لحقوق القوميات غير الفارسية. وقد وصف رئيس مجلس مصلحة النظام والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية هاشمي رفسنجاني وصف قبل ايام حركة القوميات غير الفارسية ودورها في الانتخابات بالخطير مؤكدا انها يمكن ان تخترق الوحدة الوطنية الايرانية. وقال رفسنجاني انه يشعر بالقلق إزاء تنامي ظاهرة نشاط القوميات غير الفارسية في ايران.

كما اطل علينا آية الله احمد جنتي رئيس تشخيص مصلحة النظام الذي تقع بيده تزكية المرشحين للانتخابات الرئاسية، في صلاة جمعة طهران (25/2) بخطبة نارية تحذر المرشحين من اللعب بورقة القوميات غير الفارسية قائلا <<يبدو من القرائن والشواهد ان البعض يقوم بإثارة الاحاسيس القومية لدى القوميات من اجل تجميع الاصوات في الانتخابات الرئاسية. فهناك قوميات وطوائف عديدة تسكن هذا البلد وتعمل بود وأخوة، حيث يعرف عقلاء هذه القوميات انه يجب ان تكون هناك وحدة بين القوميات والطوائف وذلك من أجل بقاء البلاد والنظام. فلا يمكن العيش دون الوحدة لاننا لا نستطيع ان نخوض حربا اهلية حيث على النظام ان يمنح حق الجميع>>. واعتبر جنتي ان اي عمل يمس بالوحدة الوطنية الايرانية خيانة.

ومعروف ان القوميات غير الفارسية من ترك وأكراد وعرب وبلوش وتركمان، تشكل نحو 55 في المئة من سكان ايران فيما يشكل الفرس واللهجات واللغات الآرية الاخرى كاللورية والبختيارية والكيلكية والطبرية نحو 45 في المئة.

وتتطلع النخب المنتمية للقوميات غير الفارسية ان تستغل الاجواء السياسية في البلاد لطرح خطابها السياسي على المرشحين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية القادمة.

كاتب إيراني طهران

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور