تعد قضية القوميات غير الفارسية التي برزت إلى الساحة في مطلع القرن المنصرم في إيران، من القضايا التاريخية التي لم تحل حتى الآن حلا جذريا، شأنها شأن العديد من القضايا الديموقراطية الاخرى في البلاد.
وقد قامت <<الدولة الأمة>> الايرانية الحديثة بفعل مساندة بريطانيا العظمى للشاه رضا خان على حساب الترك والاكراد والعرب والبلوش والتركمان ولصالح القومية الفارسية حيث ادى هذا الخلل في اواسط الاربعينات من القرن المنصرم الى انبثاق حركات قومية غير فارسية اسفرت عن تشكيل جمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي بقيادة القاضي محمد في كردستان ايران وجمهورية آذربيجان ذات الحكم الذاتي في المناطق التي تقطنها اغلبية تركية اذرية شمال غرب ايران. غير ان الشاه محمد رضا بهلوي، كوالده، واجه هذه الحركات بعنف وقضى على الجمهوريتين ومنع نشر الكتب والصحف والتحدث باللغات غير الفارسية منعا باتا في المؤسسات الحكومية.
وقد استعادت القوميات عافيتها بعد قيام الثورة الايرانية في العام 1979 حيث قام الاتراك والاكراد والعرب والتركمان والبلوش بفتح مراكزهم الثقافية والسياسية ونشر خطابهم الاعلامي والثقافي. غير ان شهر العسل بينهم وبين السلطة الاسلامية الوليدة لم يدم الا مدة عامين حيث قامت الحكومة الثورية في العام 1981 بقمع الحركات التابعة للقوميات غير الفارسية متهمة اياها بالعمل لتقسيم ايران.
وفي العام 1997 انبثقت الحركات القومية غير الفارسية للمرة الثالثة في تاريخ ايران المعاصر. اذ وعد خاتمي مرشح الاصلاحيين في تلك الانتخابات بتطبيق المادتين 15 و19 من الدستور الايراني واللتين تنصان على عدم التمييز في تقسيم الامكانات والثروة بين كافة القوميات وتدريس لغات القوميات غيرالفارسية وآدابها في المدارس؛ غير انه لم يتمكن من ذلك بسبب معارضة المتشددين من الاسلاميين والقوميين الفرس له. وقد شهد عهد خاتمي (1997 2005) نوعا من النشاط الثقافي والاجتماعي للقوميات غير الفارسية وإصدار بعض الصحف بلغاتها غير انه لم يكن في المستوى المطلوب.
الآن وبعد ما شهدنا من احداث في هذا المجال، يتوسل بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الايرانية بالقوميات غير الفارسية للاستعانة بها لخوض المنافسة الصعبة والتي ستتضح نتائجها يوم السابع عشر من حزيران القادم.
وتعود أسباب هذه الظاهرة التي اثارت ردود فعل متباينة بين الاوساط السياسية الايرانية تعود الى انحسار الخطاب الاصلاحي وتنامي دور الحركات القومية بين الشعوب غير الفارسية في الاعوام الاخيرة والتي تشكل حاليا الى جانب حركتي الشباب والنساء رافدا اجتماعيا هاما في المجتمع الايراني.
وقد بدأ السجال في موضوع القوميات غير الفارسية ودورها في الانتخابات الرئاسية عندما اعلن احد مرشحي المعسكر الاصلاحي، الوزير السابق للتعليم العالي مصطفى معين في اواخر كانون الثاني الماضي نقاط برنامجه الخاصة بحقوق الاقليات والقوميات الإيرانية. لكن الامر الذي أثار حفيظة المعارضين لطرح موضوع القوميات غير الفارسية هو استقبال المرشح الآخر للاصلاحيين الرئيس السابق للبرلمان مهدي كروبي لعدد من نشطاء القوميات غيرالفارسية ومنهم كاتب هذه السطور والتزامه لهم بتطبيق المواد المتعلقة بحقوق هذه القوميات والمنصوص عنها في الدستور الايراني. وتبين لي في لقائنا مع كروبي انه قام بإنشاء لجنة خاصة بالقوميات غير الفارسية في مكتبه المسؤول عن الحملة الانتخابية.
كما ان المرشح الثالث للاصلاحيين، مساعد الرئيس الايراني لشؤون التربية البدنية مهر عليزادة وهو تركي أذري بدأ نشاطه الانتخابي مع اثنين من ابناء جلدته، رضازادة البطل العالمي لرفع الاثقال وعلي دائي قائد الفريق الاهلي لكرة القدم الايراني، وذلك بجولة قاموا بها في المحافظات والمدن التي يقطنها الاتراك الاذريون في ايران.
ولم ينحصر الامر بالاصلاحيين حيث حاول المرشح المحافظ والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي كسب ود القوميات من خلال زيارات قام بها لمؤسسات مدنية خاصة بالعرب الاهوازيين وللمحافظات التي تقطنها أغلبية تركية أذرية.
وعلى الرغم من ذلك، باءت محاولاته والمرشح الآخر للمحافظين، النائب في البرلمان احمد توكلي للاجتماع بنخب القوميات، بالفشل لامتناع هؤلاء من اللقاء بهما بسبب مواقفهما السابقة المناهضة لحقوق القوميات غير الفارسية. وقد وصف رئيس مجلس مصلحة النظام والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية هاشمي رفسنجاني وصف قبل ايام حركة القوميات غير الفارسية ودورها في الانتخابات بالخطير مؤكدا انها يمكن ان تخترق الوحدة الوطنية الايرانية. وقال رفسنجاني انه يشعر بالقلق إزاء تنامي ظاهرة نشاط القوميات غير الفارسية في ايران.
كما اطل علينا آية الله احمد جنتي رئيس تشخيص مصلحة النظام الذي تقع بيده تزكية المرشحين للانتخابات الرئاسية، في صلاة جمعة طهران (25/2) بخطبة نارية تحذر المرشحين من اللعب بورقة القوميات غير الفارسية قائلا <<يبدو من القرائن والشواهد ان البعض يقوم بإثارة الاحاسيس القومية لدى القوميات من اجل تجميع الاصوات في الانتخابات الرئاسية. فهناك قوميات وطوائف عديدة تسكن هذا البلد وتعمل بود وأخوة، حيث يعرف عقلاء هذه القوميات انه يجب ان تكون هناك وحدة بين القوميات والطوائف وذلك من أجل بقاء البلاد والنظام. فلا يمكن العيش دون الوحدة لاننا لا نستطيع ان نخوض حربا اهلية حيث على النظام ان يمنح حق الجميع>>. واعتبر جنتي ان اي عمل يمس بالوحدة الوطنية الايرانية خيانة.
ومعروف ان القوميات غير الفارسية من ترك وأكراد وعرب وبلوش وتركمان، تشكل نحو 55 في المئة من سكان ايران فيما يشكل الفرس واللهجات واللغات الآرية الاخرى كاللورية والبختيارية والكيلكية والطبرية نحو 45 في المئة.
وتتطلع النخب المنتمية للقوميات غير الفارسية ان تستغل الاجواء السياسية في البلاد لطرح خطابها السياسي على المرشحين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية القادمة.
كاتب إيراني طهران