يوسف عزيزي
مجلة “المجلة” 18/09/2017
اولا، شهدت مدينة “بانه” في اقليم كردستان الإيراني يوم 5/9/2017، إضراب عام للاسواق والمحلات التجارية وتظاهرات واحتجاجات ادت الى محاصرة الجماهير الغاضبة لمبنى حاكم المدينة اعتراضا على اغتيال قوات حرس الحدود الإيرانية لاثنين من العتالين الكرد في الحدود العراقية – الإيرانية. وقد اقلعت المروحيات العسكرية في سماء المدينة وانتشرت قوات الامن والشرطة في الشوارع وتم اعتقال العشرات من المتظاهرين. اذ كانت هذه الهبة الجماهيرية نتيجة لتراكم الغضب الشعبي وهي ليست المرة الاولى التي نشهد فيها مثل هذه الاغتيالات في كردستان، بل ووفقا لمنظمات حقوق انسان كردية وإيرانية، قتلت القوات الإيرانية خلال السنوات الماضية، المئات من هؤلاء العتالين الذين ينقلون البضائع من العراق الى إيران على ظهورهم عبر الجبال الوعرة لتأمين قوتهم اليومي.
ثانيا تحركت الجماهير في سنندج عاصمة اقليم كردستان الإيراني يوم 7/9/2017 لدعم مطالب الجماهير الكردية في مدينة بانه، غير ان قوات الامن واجهت المتظاهرين السلميين بعنف واعتقلت العديد منهم. وقد تحول اقليم كردستان الإيراني الى ثكنة عسكرية خشية ان تحذو المدن الاخرى في الاقليم حذو مدينتي بانه وسنندج.
وفي طهران
ثالثا في نفس يوم 5/9/2017 شهدت العاصمة الإيرانية طهران، وقفة احتجاجية امام البرلمان للمطالبة باطلاق سراح احد قادة نقابة عمال شركة نقل الركاب في العاصمة.
رابعا شهدت مدينة الأهواز يوم 13/9/2017 وقفة احتجاجية لعمال البلدية امام ادارة البلدية للاعتراض على اوضاعهم المعيشية السيئة وعدم دفع مرتباتهم لاشهر منصرمة.
ولا اُبالغ اذا قلت انه لم يمر يوما في طهران وسائر المدن الكبرى في إيران دون ان نشهد مظاهرات واحتجاجات للعمال والمعلمين تطرح مطالب مهنية مثل دفع الرواتب المعوقة لاشهر او سنوات، او تحتج على طرد العمال والمعلمين من اعمالهم، او تطالب بإطلاق سراح زعمائهم الذين يرزحون في السجون بسبب نضالهم المستمر لتحسين ظروفهم المعيشية. وقد قتلت العناصر التابعة للبلديات العديد من الباعة المتجولين في طهران والأهواز ومدن إيرانية اخرى وتحولت بذلك الى قوة قمعية الى جانب قوات الامن والشرطة.
كما منعت قوات الامن الايرانية قبل اسابيع اجتماعا كان من المقرر ان يقام حول ضريح الشاعر الإيراني المعارض احمد شاملو بدعوة من اتحاد الكتاب الإيرانيين واعتقلت عدد من المشاركين ومعظمهم من المثقفين والكتاب.
ولاننسى المظاهرات التي قام به الالوف من القوميين الفرس ومناصري الملكية في نوفمبر 2016 بالقرب من ما يسمى بضريح قوروش، مؤسس السلالة الإخمينية، والتي تُعد نوع من عرض عضلات للقوميين الفرس المتشددين في إيران.
اهمية الحراك بين القوميات
القصد مما جاء آنفا هو التاكيد بان الساحة الإيرانية تشهد حراكا شبه يومي معارض لسياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن النظام الإيراني لا يسمح باي اي حراك سياسي جماهيري معارض له مهما كان حجمه لانه يخشاه ويخشى تبعاته على وجوده وكيانه برمته. فبعد انتفاضة الحركة الخضراء في 2009 والتي كادت ان تطيح بالنظام الديني الاستبدادي في إيران، لم نشهد مثل ذلك الحراك السياسي بسبب منع النظام لاي نشاط حزبي، حتى من النوع الاصلاحي، فلذا ان الاحزاب القائمة حاليا ليست الا ديكورات لم يسمح لها باي نشاط انتقادي او معارض لنظام ولاية الفقيه، غير انه من الصعب منع اي حراك اجتماعي وثقافي ومهني معارض لاسباب مختلفة.
فاذا اشرنا الى حراك الشعبين التركي الأذري والعربي الأهوازي خلال الاعوام الاخيرة يتضح لنا مدى اهمية حراك القوميات في إيران. فاكتفي هنا بالاعوام الثلاث الاخيرة حيث شهد اقليم أذربيجان في يوليو 2015 ونوفمبر 2016 تظاهرات واضطرابات في معظم مدنه، خاصة في عاصمته تبريز. كما شهدت الأهواز عاصمة اقليم عربستان وبعض المدن الاخرى، عدة مظاهرات خلال هذه الاعوام كانت ذروتها في فبراير 2017، وقد استمرت الاحتجاجات ضد تلوث البيئة وتجفيف نهر كارون لمدة اسبوع اُعتقل خلالها 40 شخصا مما ادى الى تدخل الرئيس الإيراني حسن روحاني شخصيا لانهاءها.
فوفقا لما ذكرته انفا، يمكننا الاشارة الى فئات اجتماعية تعتبر رائدة في النضال ضد النظام الإيراني: القوميات غير الفارسية، العمال، النساء وطلاب الجامعات. لكن في الواقع لم نشهد للحركة الطلابية ومنذ سنوات ذلك النشاط المعارض الذي كنا نشهده قبل عقدين من الزمن. كما ان الحركة النسائية لم تستطع ان تعيد انفاسها بعد قمع قادتها وهروب البعض الاخر منهم الى الخارج، غير ان القوميات والعمال هما الاكثر نشاطا قياسا بالنساء وطلاب الجامعات. ويبدو ان حراك القوميات في معظمه حراك اجتماعي، ثقافي ومدني، وينحصر الحراك السياسي بالعمليات المسلحة التي تقع بين الحين والاخر في كردستان وبلوشستان وذلك بسبب استحالة العمل السياسي المستقل والمعارض للنظام في إيران بشكل عام وفي مناطق القوميات غير الفارسية بشكل خاص. لكن مهما كانت دوافع هذا الحراك الاجتماعي وشعاراته فانه يعبر في باطنه عن نوع من الاستياء السياسي ازاء النظام الإيراني.
الجزر المنفصلة هل تتصل؟
فاذا اخذنا بعين الاعتبار استغلال الجماهير الكردية والأذرية والأهوازية للمناسبات الرياضية والقومية والدينية الخاصة بها وكذلك العمليات المسلحة التي تقوم بها المجموعات الكردية والبلوشية وعدد السجناء غير الفرس في المعتقلات الإيرانية يمكننا القول ان الشعوب غير الفارسية هي الاكثر نضالا واستعدادا لدفع ثمن الحرية والديمقراطية ونيل حقوقها القومية في ايران، يليها العمال والمعلمين الذين تتسم مطالبهم بالمهنية والاقتصادية. لكن هذا الحراك القومي – العمالي في إيران مهما اتسمت معالمه بالمهنية والاجتماعية غير انه: اولا اخذ يزيل حاجز الخوف من قلوب الجماهير التي ترزح تحت حكم ولي الفقيه، ثانيا يُعتبر مدرسة لتدريب هذه الجماهير على الاحتجاج والتظاهر، ثالثا يشكل المقدمات لتطوير النضال الاجتماعي والمهني الى نضال سياسي ذات اهداف ومطالب وشعارات سياسية صريحة، ورابعا سيؤدي الى تعميق الشرخ القائم بين اجنحة السلطة. الحراك القومي الذي يحدث بين الحين والاخر في عربستان وكردستان وأذربيجان او ذلك العمالي الذي يحدث في طهران والمراكز الصناعية في إيران، هو في الواقع منفصل عن بعضه البعض، ويبدو كجزر مشتتة. فالخيط الذي يربطها كلها هو العصيان على التمييز القومي والاجتماعي الذي يفرضه النظام الديني الاستبدادي على هذه الفئات الاجتماعية. فهذا الخيط غير مرئي ويجب ان يتحول الى خيط مرئي وذلك بايجاد نوع من التنسيق بين هذه المكونات المستاءة من النظام الإيراني. هذا هو الوهن الاساسي الذي تعانيه المعارضة حاليا في إيران واعني غياب نوع من الهيكلية التنسيقية بين هذه المكونات، لانه في ظل هذا الغياب، يتمكن النظام الاستبدادي في إيران من قمع كل منها على حدة. لكن قبل طرح موضوع هيكلية للتنسيق بين حراك معظم المكونات المضطهدة في إيران يجب ان يتم ذلك اولا على مستوى الاقاليم. فعلى سبيل المثال، اذا لم تعم الحركة الاحتجاجية الاخيرة كل مدن اقليم كردستان وبواسطة لجنة تنسيقية بين الاكراد انفسهم، لايمكن الحديث عن هيكلية تنسيقية بين معظم – ان لم نقل كل – الحركات القومية والعمالية في ايران. فاذا تمعنا في الحراك الاخير في مدن اقليم كردستان الإيراني نرى ان المبادرة الخاصة بدعوة الناس للاضراب والتظاهر لم تجي من الاحزاب السياسية الكردية المستقرة اساسا في الخارج بل من قبل نشطاء المجتمع المدني وعبر شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتلغرام وتويتر.
نحن نعلم ان لكل شعب في إيران ظروفه وخصائصه. فعندما كانت الجماهير الأهوازية تحتج ضد التلوث او تجفيف مياه نهر كارون او ضد التمييز العنصري، كانت تستقطب انظار سائر الشعوب وهذا ماينطبق ايضا على ماكان يقوم به الاتراك الأذريين في الملاعب والشوارع. فاننا لايمكن ان نشهد اي تنسيق بين كل هذه التحركات التي تقوم بها الشعوب غير الفارسية والعمال والمعلمين وسائر الطبقات الكادحة في طهران وسائر المدن الايرانية الا بعد ان تتسع رقعتها. لاشك ان هناك حاجة ماسة لتنسيق اقلوي بين كل هذه الحركات او بينها نفسها لتكون مؤثرة على مستوى كل ايران ولتتمكن من هز عرش الحكام في إيران. ويبدو ان النظام الإيراني اكثر قسوة في مواجهته لحراك القوميات غير الفارسية قياسا بحراك العمال والمعلمين، فلذلك تم اخماد الاحتجاجات في اقليم كردستان، غيران الاضطهاد القومي ضد الشعوب غيرالفارسية كالنار تحت الرماد وسيلتهب كلما سنحت له الظروف في احدى الاقاليم التي تقطنها هذه الشعوب.