الاتفاق النووي جرعة سم لخامنئي تقتل تصدير الثورة

ايلاف تحاور يوسف عزيزي امين عام مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في ايران
elaphاجرى الحوار: دأسامة مهدي

لندن: قال الامين العام لمركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في إيران، عضو اتحاد الكتاب الإيرانيين يوسف عزيز، في مقابلة مع “إيلاف” إن الاتفاق المبدئي الغربي مع إيران حول برنامجها النووي سيعمق الخلاف أيضا بين دول مجلس التعاون الخليجي، وسلطنة عمان، نتيجة وساطتها بين الولايات المتحدة وإيران لحل القضية النووية وسيتسع هذا الخلاف كلما اقتربت مسقط اكثر من طهران التي ستحاول بدورها استغلال علاقاتها الجيدة مع عمان، لإثارة الفرقة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وفي ما يلي ماجاء في المقابلة :

ماهي توقعاتكم لنجاح الاتفاق الغربي مع إيران حول برنامجها النووي على صعيد المؤيدين والمعارضين من الجانبين؟
في داخل إيران تعتبر القوى المعتدلة والإصلاحية، الاتفاق المبدئي المبرم بين إيران ودول 5+1 نصرا لإيران، اذ يؤكد هؤلاء ان الاتفاق حال دون وقوع هجوم عسكري ضدها، وهذا هو الفوز بذاته. فيما يعتبره المتشددون الموالون للنظام في إيران، وكذلك معظم أطياف المعارضة في الداخل والخارج، بانه فشل ذريع لها.
وقد شبه البعض، الاتفاق المبدئي، بمعاهدة “تركمان شاي” التاريخية، التي انسلخت بموجبها عدة مدن في القوقاز عن الامبراطورية الإيرانية في أوائل القرن التاسع عشر. وقد وصفها حشمت الله طبرزدي احد زعماء المعارضة في الداخل بـ”اتفاق التسليم”.

لاننسى أن الاتفاق لم يلغ العقوبات الأساسية على النفط والمصرف المركزي ويبدو أن هذا لن يتم في المستقبل القريب، بل وأكدت مساعدة وزارة الخارجية الأميركية ويندي شيرمن، أن هذه العقوبات ترتبط أيضا بقضايا الارهاب وانتهاك حقوق الانسان من قبل نظام طهران.

وتحدث ديفيد كوهين أحد المسؤولين البارزين في الادارة الاميركية في مقال له في صحيفة “وال ستريت جورنال” الاميركية، عن امور ستؤدي بالوضع الإيراني إلى الهاوية. اذ وصفت المعارضة الإيرانية هذا المقال بـ”الملحق الوسخ” للاتفاق المبدئي. والسبب يعود إلى ما ذكره كوهين حول ما ستشهده إيران خلال فترات متتالية تستمر كل واحدة لستة اشهر. وأكد ديفيد كوهين: ان “إيران ستغرق في عقوبات اكثر حدة خلال الاشهر الستة المقبلة”.

ويبدو أن الولايات المتحدة والغرب قاموا بتخطيط دقيق للامتيازات التي منحوها لإيران حيث لن تتحقق معظمها بعد 6 اشهر، بل هناك عقوبات جديدة يمكن ان تضاف اليها. ولذلك فإن الهدف من استمرار العقوبات من نظرة كوهين هو شلّ آخر رمق من الاقتصاد الإيراني وذلك لفترة يشعر بعدها الغرب ان لاشيء مقلق يوجد في إيران.

وتأتي اهمية كلام ديفيد كوهين عندما نعلم بانه مساعد قسم مكافحة الارهاب والتجسس المالي في وزارة الخزانة الاميركية، واكبر مسؤول مراقب وتنفيذي لعملية العقوبات المفروضة على إيران. ويعتبر
الاتفاق المبدئي بين إيران والدول الكبرى، اول جرعة سم يجرعها المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي، ستليها جرعات اخرى مستقبلا. ولهذا، ان منطق الاستمرار الحاد للعقوبات هو خطة تغيير النظام الإيراني نفسها، والتي تدعي واشنطن انها سحبتها من على الطاولة. فعندما تشعر الدول الغربية ان لديها اليد العليا في الاتفاق، وان العقوبات اي كعب اشيل الاقتصاد الإيراني يمكن ان يركع النظام الديني في إيران، إن لم نقل يسقطه، فستستمر بالاتفاق كما لايوجد لإيران اي بديل كي تتخلى عن الاتفاق.

إلى اي مدى بدأ ينعكس الاتفاق النووي على الداخل الإيراني؟
حتى الان، اي بعد شهر من توقيع الاتفاق، لم نشهد تحسنًا ملموسًا في الوضع الاقتصادي الإيراني. بل وصل التضخم في إيران إلى 42 في المئة وهو الاعلى في المنطقة، بل وربما في العالم. كما ان النمو الاقتصادي لايزال تحت الصفر، ولن يتحسن في المستقبل القريب. وقد وصف المساعد الاقتصادي لوزير العمل الإيراني وضع البطالة في المناطق الهامشية بالوخيم، وقال ان هناك نحو مليون و730 الف عاطل عن العمل في المناطق الحدودية التي يسكنها 36 مليون شخص وفقا للاحصاءات الرسمية.
وتشكل القوميات غير الفارسية معظم هذه المناطق، ويبدو ان الاحصاءات الحقيقية أكبر مما تعلنه الحكومة، اي يمكننا القول إن هناك نحو 5 ملايين عاطل عن العمل في إيران.

فعلى هذا الاساس، ستشهد الساحة الإيرانية تصاعدًا في كفاح الشعوب غير الفارسية بشقيه السلمي والعنيف وهذا ما نراه حاليا في اقاليم بلوشستان وعربستان (خوزستان الرسمية) وكردستان وأذربيجان. كما سيستمر النضال المعادي للاستبداد في طهران والاقاليم الكبرى، بما فيها نضال العمال والطلبة والمرأة الإيرانية وسيؤدي هذا إلى اشتداد الخلافات بين الاجنحة المتصارعة على السلطة الإيرانية.

ماهي التأثيرات المستقبلية للاتفاق على العلاقات الإيرانية الخليجية؟
سنشهد نوعين من التأثيرات في هذا المجال: الاول، بين إيران والدول الخليجية وثانيا بين الدول الخليجية نفسها. يبدو أن السعودية وسائر الدول الخليجية، ماعدا عمان، مستاءة من الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. ولم تخفف التوضيحات الاميركية عن مدى حنق السعودية كأكبر دولة خليجية تجاه هذا الاتفاق. وفي آخر تعبير عن هذا الاستياء، اكد سفيرالمملكة العربية السعودية في بريطانيا الامير محمد بن نواف بن عبدالعزيز ان بلاده ستعمل ضد إيران ونظام الاسد مع او من دون الغرب.

ووصف السفير عدم الهجوم على سورية وابرام الاتفاق النووي مع إيران، بالقمار الخطير قائلا “هذا قمار خطير ولايمكن لنا ان نضع يدًا على يد وان نصمت في هذا المجال”.
هذا يعني ان السعودية، ودول الخليج لاتنظر إلى الاتفاق بين إيران ودول 5+1 بنفس النظرة الاميركية بل ستسعى إلى إفشاله لانها ترى فيه نوعًا من تعزيز سلطة رجال الدين في إيران وتوثيق لعلاقاتهم مع نظام بشار الاسد في سورية. كما ترى فيه خطرًا على المنطقة، بل وأمرا يمكن ان يهدد امنها القومي اثر التدخلات الإيرانية في شؤون مناطقها الشرقية التي تقطنها اقلية شيعية.

الامر الثاني، شاهدنا نوعًا من الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي وسلطنة عمان حول وساطتها بين الولايات المتحدة وإيران لحل القضية النووية. ويبدو ان هذا الخلاف سيتسع كلما اقتربت مسقط اكثر فاكثر من طهران وستحاول إيران استغلال علاقاتها الجيدة مع عمان لإثارة الفرقة بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وتعود الصداقة العمانية – الإيرانية إلى عهد الشاه حيث يشعر سلطان عمان بأن عرشه مدين للتدخل الإيراني في اوائل السبعينات والذي قضى على التمرد اليساري في منطقة ظفار.

هل تعتقد ان الاتفاق في حال استكماله سيمنح إيران اليد الطولى في الهيمنة والتأثير على المنطقة؟
انا لا اتصور ذلك، لأن لا الأميركيين ولا الخليجيين ولا الاسرائيليين، يريدون تفوق النظام الإيراني وهيمنته على المنطقة، اللهم إلا اذا تمكن الغرب والولايات المتحدة من ايجاد تغيير في توجهات النظام الإيراني اثر الضغوط الاقتصادية والاضطرابات الداخلية. لكن ستحاول واشنطن ان تستخدم إيران كبعبع ازاء الدول الخليجية وستبذل قصارى جهدها لتغيير اتجاهات النظام الإيراني المتشددة.
كما انه لا الدول الخليجية ولا اسرائيل تريدان ان تستمر إيران في هيمنتها على سوريا ولبنان والعراق. ولا يمكن ان نتصور ان تضحي الولايات المتحدة بعلاقاتها الجيدة مع الدول الخليجية واسرائيل لصالح علاقتها مع إيران. على الاقل، اسرائيل تُعد خطا احمر بالنسبة لواشنطن.

هل تعتقد ان الاتفاق يعني موت مشروع تصدير الثورة الإيرانية أم هو احياء له؟
برأيي ان الاتفاق هو دليل على تداعي المنظومة الايديولوجية للنظام الديني الشمولي في إيران، والتي قامت على شعار “الموت لأميركا” و” الطاقة النووية حقنا المطلق”. وهو يماثل تراجع النظام الإيراني قبل انهاء الحرب العراقية – الإيرانية عن شعارات “حرب، حرب حتى النصر” و”فتح القدس عبر كربلاء”. وفي الحالتين جرع النظام كأس السم. ويبدو ان هذا الاتفاق التاريخي هو بداية لنهاية الايديولوجية الشعبوية لحكام طهران. اكد الرئيس الإيراني حسن روحاني اكثر من مرة ان الخزانة الإيرانية فارغة، وقد ايده في ذلك وزير ماليته. سيؤدي فرض المزيد من العقوبات إلى انهيار النظام الاقتصادي في إيران وهذا ما يخشاه النظام الإيراني، لذا يبذل كل جهده التفاوضي وغير التفاوضي كي يحصل على بعض الاموال بواسطة هذا الاتفاق او اتفاقات مشابهة في المستقبل لينعش اقتصاده المشلول.

هل ترى ان الاتفاق سيشدد من مواجهة النظام للقوميات الإيرانية ام انه سيفتح آفاقا جديدة للتعاون معها ومنحها حقوقها او بعضها؟
الفئات المتشددة قوميا ودينيا والتي تهيمن على النظام السياسي في إيران، لا تعتقد بأي حقوق للقوميات غير الفارسية ولم تسمح بعد مرور 35 عاما على قيام ثورة الشعوب الإيرانية بتنفيذ المادتين 15 و19 من الدستور الإيراني واللتين تنصان على بعض الحقوق لهذه القوميات، ومنها تدريس لغاتها في المدارس الابتدائية. فقد اصدر الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال حملته الانتخابية، برنامجا من 10 نقاط عُرف باسم البيان رقم 3 اكد فيه منح القوميات غير الفارسية البعض من حقوقها المنصوص عليها في الدستور الإيراني.
لكن وبعد مرور نحو أربعة اشهر من رئاسته لم يقم بأي خطوة في مجال تنفيذ وعوده التي قطعها للعرب والكرد والبلوش والأذريين في إيران. اذ يجب التذكير هنا ان اكثر من سبعين في المئة من اصوات الناخبين في مناطق كردستان وبلوشستان وأذربيجان الغربية ذهبت لصالح روحاني في الانتخابات الرئاسية التي تمت في حزيران (يونيو) الماضي. الخطوة الايجابية الوحيدة التي قام بها الرئيس الإيراني في هذا المجال هو تعيين علي يونسي كمساعد خاص له في شؤون القوميات والاقليات في إيران، رغم ان يونسي كان وزيرا للاستخبارات في عهد خاتمي. فهذه الخطوة تُعد الاولى من نوعها منذ اقامة الجمهورية الاسلامية في إيران وتؤكد مدى اهمية قضية القوميات غير الفارسية في إيران بالنسبة إلى السلطة الإيرانية. اذ فرضت الشعوب غير الفارسية قضيتها اثر تصاعد كفاحها السياسي والثقافي.

ويبدو ان روحاني وحكومته المعتدلة تراوغ في تنفيذ وعودها، إما لعدم رغبتها هي، وإما بسبب معارضة القوميين والدينيين الفرس الذين لا يعتقدون باي حقوق للشعوب غير الفارسية التي تتحدث بلغة غير فارسية او تدين بمذهب غير المذهب الشيعي، وذلك رغم ما ينص عليه دستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية. فاذا امر روحاني، وزارة التعليم والتربية ان تقوم بتدريس اللغات العربية والكردية والبلوشية والأذرية في المدارس الابتدائية في ايلول (سبتمبر) المقبل يمكن ان نعتبر ذلك بادرة خير منه لمنح بعض الحقوق المسلوبة للشعوب غير الفارسية لكن اذا اهمل الامر ولن يفعل شيئا لصالح هذه الشعوب ولصالح اهل السنة وإلا سترتد عنه الجماهير غير الفارسية التي صوتت له في الانتخابات الرئاسية.

ماهي اخر تطورات الاوضاع الحالية في اقليم الاهواز؟ِ
يمر اكثر من خمسة الاف سنة على الحضارات التي تكونت على ضفاف نهر كارون، غير انها اصبحت مهددة بالاندثار اثر السياسات الرعناء للحكام الشوفينيين في طهران. اذ يعاني اقليم عربستان (خوزستان رسميا) والاهواز العاصمة بشكل خاص من الاهمال في كل المجالات البيئية والاقتصادية والثقافية والسياسية اثر المركزية الحديدية التي ينتهجها النظام الاكليركي في طهران.

فوفقا لإحصائيات الامم المتحدة تُعد الاهواز، المدينة الأكثر تلوثا في العالم وذلك بسبب الغازات المنبعثة من آبار النفط الواقعة في داخل واطراف المدينة وكذلك المصانع التي تنتج غازات سامة ك “صنايع الفولاذ” و”كربون بلاك” ونظائرها. فلم ينقل النظام الإيراني هذه المعامل والمصانع المدمرة للبيئة إلى خارج المدينة. كما وبسبب بناء السدود العديدة على نهر كارون وحرف مياهه إلى المدن الفارسية كاصفهان ويزد وكرمان، اصبح النهر مهدد بالتجفيف. الشيء نفسه ينطبق على نهر الكرخة ومصبه اي هور العظيم (القسم الإيراني منه) بسبب بناء السدود على هذا النهر. ضف إلى ذلك التلوث الناجم عن تسرب النفط اثر التنقيب واستخراجه في حقول الحويزة (آزادغان الرسمية) في هور العظيم.
فاذا اضفنا لذلك انواع الاضطهاد القومي والعرقي للشعب العربي الاهوازي يمكننا القول ان هذا الشعب يواجه ظروفا جد صعبة قلما شهد نظيرها خلال تاريخه الطويل.

وفيما تعيش النخبة الحاكمة والطبقات الرأسمالية والتجارية المتحالفة معها في القصور الموروثة عن الشاه السابق في طهران، كقصر”مرمر” وباستور (محل اقامة واستقرار المرشد الأعلى والمؤسسات الحكومية) وفي احياء راقية ك جماران وزعفرانية وفرمانية يتحسر الاهوازيون الذين يعيش معظمهم في العشوائيات ومدن الصفيح، الهواء النقي الذي يتنشقه هؤلاء في شمال طهران والثروات التي ينهبونها من تحت اقدامهم ولايصلهم منها الا الدخان والامطار السامة.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور