٥أيام هزت إيران… والشعوب غيرالفارسية على خط “انتفاضة تشرين”


يوسف عزيزي
كاتب وصحفي

وفقاً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين عمّت “انتفاضة تشرين” 2019 تسعاً وعشرين محافظة من أصل 31، وكان أوجها يومي السبت والأحد 15 و16 نوفمبر (تشرين الثاني)، لكنها استمرت لمدة خمسة أيام وأكثر في بعض المحافظات الساخنة.

ويُستنبط من تصريحات هؤلاء المسؤولين أن المحافظات والمناطق العربية والكردية والتركية شهدت صدامات دامية خلال الانتفاضة، وردد المنتفضون هتافات عامة مثل “الموت للديكتاتور” و”الموت لخامنئي”، والأخير كان الهتاف الرئيس في أنحاء إيران، إلى جانب هتافات قومية باللغات الفارسية والعربية والكردية والتركية الأذرية، ووفقما ذُكر يمكن أن أتحدث عن ظهور هلال غير فارسي في انتفاضة تشرين 2019 الدامية. لماذا؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن أشير إلى ما جرى خلال الفترة المنصرمة داخل إيران وخارجها، أو بالأحرى في داخل الإمبراطورية وخارجها.

بدأ العصيان ضد قادة الإمبراطورية الإيرانية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وليس يوم الجمعة 15 أكتوبر، ومن المحيط الخارجي للإمبراطورية، وليس من محيطها الداخلي، حيث بدأ من بغداد، والهتافات التي استهدفت رموز الإمبراطورية، قاسم سليماني وعلي خامنئي، ووصل الأمر إلى لبنان في 17 أكتوبر لكن بصورة مبطنة. 

قبل أسبوع من قرار الحكومة الإيرانية رفع سعر البنزين، قلتُ في مقابلة مع قناة فارسية إن الأعاصير العاتية ستتجه شرقاً.

الربيع في الخريف يدق أبواب إيران

قلت للمحاور إن الموجة الثانية للربيع العربي ستدُق أبواب إيران، غير أنها ستدخل من بوابة الأهواز، لأنها تتحدث بلغة لا يفهمها إلا الأهواز، فقد جاءتنا الموجة الأولى بلغتها العربية، لكنها لم تغادر حدود الأهواز، مع عدد من الضحايا الذين سقطوا في مدن إقليم عربستان، ويعلم المحللون أن الشعب العربي الأهوازي، ومنذ انتفاضته في عام 2005، أو  إذا شئت منذ عام 2011 يعد من أكثر الشعوب حراكاً في إيران. 

لكن لماذا لم ينتشر الربيع العربي في عام 2011، ودُفن مع جنائز عدد من المتظاهرين العرب في الأهواز؟ لأن الربيع جاءنا من مصر وتونس، الدولتين العربيتين البعيدتين جغرافياً عن إيران واللتين لا توجد بينهما وإيران قواسم مشتركة كبيرة، لكن الربيع هذه المرة جاءنا من العراق.

والعراق أقرب حلقة خارجية قريبة، بل ومتداخلة مع الإمبراطورية الإيرانية، ونحن نعرف مدى التفاعل التاريخي والمذهبي والثوري بين العراق وإيران، فلا ننسى الدور البارز لعلماء النجف وسامراء في ثورة الدستور الإيرانية (1906 – 1909) ودور الخميني والمعارضة اليسارية والوطنية ودعم النظام العراقي لهم في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، والحضور المسلح لمنظمة مجاهدي خلق وأحداث الحرب الإيرانية – العراقية وما تلاها، فلا مثيل لهذا التفاعل بين إيران وأي دولة أخرى جارة لها. 

002.jpg

 الأزمات الاقتصادية وقمع الأقليات وراء انتفاضة الإيرانيين في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

الأهواز نقطة الانطلاق… والبنزين كان الشرارة

توفي يوم 11 نوفمبر الماضي الشاعر الأهوازي حسن الحيدري في ظروف غامضة، كان شاباً جسوراً ناشطاً مفعماً بالحيوية ويتمتع بشعبية كبيرة، فالناس تعتقد أنه مات بعد أن دس له السجانون السُم في الطعام، عندما كان معتقلاً في سجن الأهواز قبل مماته بفترة، وقد هز اغتياله ليس عربستان فحسب، بل كل إيران. 

وفي يوم 12 نوفمبر، احتشد الألوف من العرب في مدينة “كوت عبد الله” لتشييع جنازته غير أن السلطات منعتهم، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات وهتافات تؤكد عروبة الأهواز، ومتحدية النظام الإيراني.

وفي يوم 14 نوفمبر، أعلنت السلطات رفع سعر البنزين قبل منتصف الليل، إذ شاهدنا بعدها اجتماعات متفرقة للناس في محطات البنزين بالأهواز يؤكدون أنهم سيقاطعون شراء البنزين وسيركنون سياراتهم وسط الشوارع.

وفي يوم الجمعة 16 نوفمبر، انطلقت الاحتجاجات من مدينة الأهواز العاصمة، تبعتها مدينة المحمرة في إقليم عربستان وسيرجان ومدن إيرانية أخرى، وبحلول السبت دخلت معظم المدن الإيرانية على خط الاحتجاجات.

نحن نعلم أن الشعب الأهوازي يتابع الإعلام العربي على مدار الساعة، خاصة أحداث الربيع العربي، إن كانت في السودان أو تونس، أو في الجزائر أو لبنان، وبعد انتفاضة العراق يتصوَّر الشباب الأهوازي نفسه في ساحة التحرير في بغداد وفي شوارع البصرة والعمارة والناصرية، وذلك بسبب التشابه الكبير في اللهجة والثقافة والمذهب والشعر والهتاف والشعار، وفي أذهان الجماهير الأهوازية الناغمة على التمييز القومي والعنصري والاقتصادي، يتحول بغداد إلى الأهواز والبصرة إلى المحمرة ومعشور إلى الناصرية، فهم يتعايشون مع الخطاب العراقي المعارض ويُشحنون ويتأثرون نفسياً وسيكولوجياً.

ومنذ انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2017 وحتى انتفاضة نوفمبر 2019 الإيرانيتين، شهد إقليم عربستان، عدة مظاهرات وإضرابات عمَّالية وقومية، ولهذا السبب استمرت الانتفاضة الأخيرة في الإقليم أكثر من أي محافظة أخرى في إيران، وقدَّم الشعب العربي الأهوازي أكبر عدد من القتلى قياساً بالأقاليم والمحافظات الأخرى، فللمرة الأولى بعد قيام الثورة وبعد أربعة عقود نشاهد الدبابات في شوارع مدينة معشور في الإقليم.

المحافظات الساخنة… أسباب الانتفاضة والطبقات المشاركة 

بنظرة سسيولوجية فاحصة يمكن أن نفرز الحوافز التالية في تلك الانتفاضة: الاقتصادية الطبقية، والإثنية، والمزيج من الاثنين.

ويشير معظم المحللين إلى الحوافز الاقتصادية، لكنني أعتقد أن هناك حوافز أخرى تتعلق بالهوية القومية والكرامة الإنسانية، خاصة بين الشعوب غير الفارسية، لعبت دوراً بارزاً في انتفاضة نوفمبر الإيرانية، فعلى سبيل المثال هناك تاجر عربي يملك محلاً في حي الناصرية قتل في احتجاجات الأهواز، وذلك إلى جانب قتيل عربي آخر يمكن أن نعتبره من البروليتارية الرثة.

 وقد أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية أن معظم الضحايا سقطوا في محافظات عربستان (خوزستان فارسيا)، كرمنشاه، وكردستان، وطهران وأذربيجان (الغربية والشرقية وأردبيل).

وقد وصف وزير الداخلية الإيراني رحماني فضلي، في مقابلة مع التلفاز الحكومي، إقليم عربستان – إلى جانب  طهران وفارس وكرمنشاه وكردستان – أنه الإقليم الأكثر اضطراباً في تلك الفترة، مضيفاً “يختلف الوضع في خوزستان (عربستان) مع سائر الأقاليم ويتميز بوضع خاص، إذ عمت الاحتجاجات نحو 18 مدينة”.

وتحدث رمضان شريف المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني عن دور رئيس لـ”الملكيين ومجاهدي خلق والانفصاليين” في الانتفاضة، ويعني شريف بالانفصاليين كلَّ النشطاء العرب الذين يناضلون من أجل حقوقهم القومية حتى لو لم يكونوا انفصاليين، لكن الأهم من ذلك الاعتراف بالدور المتعاظم للقوميات غير الفارسية وتأثيرها على الأحداث في إيران إلى جانب عوامل أخرى كمنظمة مجاهدي خلق والملكيين الذين يعملون على مستوى كل إيران، ويحدث هذا بعد أن كانت القوميات مهمشة وذات تأثير سياسي ضئيل على مستوى إيران.

في إقليم عربستان علاوة على مدينة المحمرة التي قدمت نحو 8 شهداء والأهواز نحو 4 شهداء وعبادان التي قدمت شهيدين أو ثلاثة، قدمت مدينة معشور، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، بين 40 إلى 100 شهيد، وقد اهتم الإعلام العالمي والفارسي المعارض بهذه المدينة العربية المناضلة، بسبب الحجم الهائل للضحايا والقسوة التي أظهرها النظام الإيراني إزاء سكانها الذين احتجوا بسلمية كمعظم مناطق إيران، ويعود هذا الأمر إلى، أولاً الأهمية الاقتصادية القصوى لهذه المدينة المطلة على الخليج، حيث تضم مشروعات ومصانع كبيرة للبتروكيمياويات والنفط والغاز ودورها المهم في التصدير والاستيراد في ظروف إيران الخاضعة للحصار الأميركي، وثانياً التمييز الطبقي والقومي والعنصري إزاء السكان الأصليين ومعظمهم من العرب، وقد واجهت قوات من البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني وقوات خاصة تعرف بـ”نوبو” وكتيبة مالك الأشتر، المتظاهرين ودخلتها الدبابات للمرة الأولى بعد قيام الثورة قبل أربعين عاماً.

كما قامت السلطات الإيرانية بمجازر في المحافظات الكردية، مثل كرمنشاه وكردستان، وشهدت مدن مريوان وجوانرود الكردية مقاومة شرسة للقوات العسكرية. وفي شيراز، عاصمة إقليم فارس، تركزت الاحتجاجات في جنوب المدينة التي يقطنها أساساً الأتراك القشقائيون الذين أصبحوا ضحايا لمعارك غير متكافئة مع قوات الأمن.

وفي محافظة طهران الكبرى، علاوة على العاصمة، تركزت الاحتجاجات في مدن وبلدات تحيط بالعاصمة، مثل إسلام شهر، وقلعة حسنخان وشهريار وكرج التي يشكل الأتراك معظم سكانها، حيث سقط منهم ضحايا كثر، فإذا جمعنا القتلى الأتراك من هذه المدن مع أبناء جلدتهم في شيراز وإقليم أذربيجان والمحافظات الأخرى نصل إلى عدد كبير من الضحايا الأتراك خلال الانتفاضة.  

كما يجب الانتباه إلى المعلومات التالية التي تفيد أن منظمة العفو الدولية أعلنت في عام 2018 أن عدد المعتقلين الكرد كانوا يشكلون أكثر من 50% من كل المعتقلين في إيران، وأن 45% من باقي السجناء هم من العرب والبلوش والترك الأذريين، وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان في إيران أن 78% من أحكام الإعدام التي تم تنفيذها في نفس العام كانت ضد الأكراد والعرب والبلوش، وهذا يعني أن حصة الشعوب غير الفارسية التي تشكل نحو 55% من سكان إيران من الإعدامات والسجون أكثر بكثير من المواطنين الفرس، كما لا ننسى أنه خلال العقدين الماضيين ومنذ عهد خاتمي، مروراً بأحمدي نجاد وختاماً بروحاني، حاول هؤلاء الرؤساء عند ترشحهم للرئاسة كسب أصوات القوميات غير الفارسية التي تعتبر حاسمة في إيران، وهذا إن دل على شيء يدل على الدور المتعاظم للشعوب غير الفارسية في عملية الكفاح من أجل الحرية والديموقراطية واللامركزية في إيران، وهو يبشر بانبثاق هلال غير فارسي في إيران، ويمثل بزوغ رأس جبل الجليد الذي يمكن أن نتوقع التيهور العظيم مستقبلاً.

الهلال غير الفارسي والمستقبل

لقد شبه قادة الحرس الثوري، الوضع خلال الانتفاضة بالحرب الكونية ونجاة النظام منها بالمعجزة، وعلى هذا الأساس يمكنني القول إنه لو لم يتم حظر الإنترنت في اليوم الثالث من الاحتجاجات لتحولت الانتفاضة إلى ثورة ولسقط نظام ولاية الفقيه، أو على أقل تقدير لتم تحرير بعض المناطق في عربستان وكرمنشاه وكردستان وفارس لتشكل هلالاً غير فارسي محررا كان يمكن أن يستوعب المعارضين من المناطق الإيرانية الأخرى ويجلب الدعم الدولي. 

وفقاً لذلك نستطيع أن نستشرف المستقبل في إيران، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بُعدين، الأول سيكولوجي والثاني سسيولوجي، وتؤكد سيكولوجية علي خامنئي أنه لا ينوي التسليم لإرادة الشعب بسهولة، بل يعتمد نهجاً عنيداً أمام التحول المقبل ويرجح أن يستشهد، حسب تصوره، في العقد الثامن من عمره، لكن ليس كالإمام الحسين في صحراء كربلاء، بل في شوارع طهران وبهيئة نائب الإمام المهدي، غير أن ولوج الفئات العليا من الطبقة الوسطى – تجار بازارات طهران وأصفهان وتبريز – وكذلك العاملين في الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية إلى معمعة النضال سيبطل توهماته الميتافيزيقية، فإذا استمرت العقوبات الأميركية وإذا أضيفت إليها العقوبات الأوروبية وتدهور الأوضاع الاقتصادية ستنضم هذه الفئات إلى العملية النضالية المعادية للنظام التي تخوضها الطبقات والشعوب المسحوقة في إيران، لكن رغم كل هذه المشكلات وحتى لو انسحبت العراق من ربقة الهيمنة الإيرانية يمكن لخامنئي أن يلعب اللعبة السورية ويطلب النجدة من روسيا لإبقائه في الحكم ولو بحساب حرب أهلية يمكن أن تندلع في إيران.

وهذا ليس غريباً في التاريخ الإيراني، حيث نتذكر طلب الشاه محمد علي القاجاري في أوائل القرن العشرين المساعدة الروسية لضرب ثورة الدستور، لكن إذا تم التطابق بين الظروف الموضوعية المتمثلة باستمرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية مع طرح مشروعات ثورية وتنظيمية للجماهير والشعوب الإيرانية، يمكن أن تحول دون أي مساعدة روسية لنظام ولاية الفقيه.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور