إبداعات الفكر الأهوازي في القرون الوسطى وتداعياته الراهنة

_8262_23

يوسف عزيزي – العرب اللندنية

من أهم ما أبدعه الفكر العربي الأهوازي بعد الهجرة النبوية هو الفكر المشعشعي الذي يعود أساسا إلى سلالة المشعشعيين العربية التي حكمت مملكة عربستان لعدة قرون. ونحن نعلم أن الحركة الفكرية في منطقتنا، بل وفي العالم خلال القرون الوسطى كانت حركة دينية أو متأثرة بالدين حتى لو كانت تتسم بالهرطقة أو المادية، أي أنها لم تتحرر تماما من الفكر الديني إلا خلال عصر الأنوار وما بعده.

قبل التطرق إلى المؤسسين للفكر المشعشعي يجب الإشارة إلى أن الأرض العربية التي نشأت وترعرعت عليها هذه الفكرة هي مملكة عربستان، ثم تحول فيما بعد الفكر الثوري المشعشعي إلى عقيدة دينية يعتنقها حاليا الملايين من البشر.

تأسست مملكة عربستان عام 1436 (840 هجرية) على يد محمد بن فلاح المعروف بالمشعشع واستمرت في ذريته. ويُعد هو ونجله علي بن محمد من المؤسسين والمنظرين للفكرة المشعشعية القائمة على “المهدوية” ومن ثم “الألوهية” والتي تختلف مع الشيعة الإثني عشرية. غير أن ابنه الآخر الملك محسن الذي حكم بعد أخيه علي، قام بتغييرات في الفكرة المشعشعية الأولية ومنحها منحىً شيعيا إثني عشريا.

وقد بلغت مملكة عربستان في عهد الملكين علي ومحسن أعظم ما وصلت إليه من وسعة واقتدار، وقد توفي الملك محسن عام 905 هجري في عاصمته “الحويزة” بعد خمسين سنة من السلطنة. ويقول محسن الأمين في كتاب “أعيان الشيعة” حول الملك محسن المشعشعي: “ولّي بعد أبيه ولقب بالملك المحسن وامتد ملكه بحيث لم يمتد لأحد مثله من ذريته وكان أوصاه والده بتجنب ما ارتكبه أخوه. تملك الجزائر وما وراءها إلى حدود سور بغداد من جهاته الأربع وأحسن السيرة مع سكان العتبات العالية وخدام الروضات المشرفة، ثم ملك البصرة وشط بني تميم وعبادان إلى الحسا والقطيف، ثم الدورق والسواحل إلى بندر عباس وجميع البنادر إلى حدود فارس، ثم كوه قيلويه ودهدشت ورامهرمز، ثم شوشتر والبختيارية وأكراد لرستان الفيلية وبيات والباجلذانية وبشت كوه وكرمنشاه وسميرا وبهبهان”.

وبعد هجوم الشاه اسماعيل الصفوي على مملكة عربستان المستقلة عام 1509 ميلادي، تراوح وضعها وحتى أوائل القرن العشرين بين الاستقلال والحكم الذاتي الواسع.

ويُعد كتاب “كلام المهدي” لمؤلفه محمد بن فلاح المشعشعي من أهم المصادر العقائدية والفكرية والسياسية للمشعشعيين، وقد كتب هذا الكتاب بعد أن تحول من صفته كنائب للإمام المهدي إلى الإمام المهدي نفسه. ورغم الشوائب النحوية التي يعاني منها النص غير أنه يعتبر نصا هجوميا ناقدا للمذهب السائد ومتعصبا للمذهب الجديد وشارحا لأسباب توجهه للمهدوية.

ويمكن مقارنة كتاب “كلام المهدي” في عصره بالكتاب “الأحمر” للقائد الصيني ماو تسه تونغ في القرن العشرين وذلك من حيث التحريك والتحريض والتهييج، غير أن كتاب “كلام المهدي” لم يُنشر في إيران لأسباب أهمها التعصب العقائدي والعرقي. كما لم يُنشر في الخارج لأنه لا توجد منه إلا نسختان مخطوطتان، واحدة في مكتبة آية الله المرعشي في قم وأخرى في مكتبة مجلس الشورى الإيراني في طهران.

فلم يكتف الابن أي علي بن محمد بن فلاح بالمهدوية بل ادعى خلال فترة حكمه على مملكة عربستان، بالألوهية. لذا يُصنف هؤلاء الإثنان ب”غلاة الشيعة” في التاريخ الإسلامي. وقد انتقلت هذه الأفكار إلى شمال المملكة أي إقليم كرمانشاه، الواقع حاليا في غرب إيران وانتشرت بين الأكراد القاطنين هناك. كما أنها انتشرت فيما بعد بین الأتراك في إقليم أذربيجان. كما يتواجد البعض من المعتقدين بالعقيدة المشعشعية في مازندران وطهران أيضا. والأنكى في الأمر أن فكرة وعقيدة المشعشعيين ورغم ظهورها في عربستان لم يبق لها حاليا أي أثر في أرض العرب، لا في عربستان ولاجنوب العراق.

ويوصف هؤلاء، أي المؤمنون بألوهية الإمام علي بن أبي طالب في إيران ب”أهل الحق” و” يارسان” و”علي اللهي”، كما يوصفون أحيانا ب”عبدة الشيطان” والدراويش. ولهم تكايا ومراكز عبادة توصف ب”خانقاه” ومعبد رئيسي في مدينة “صحنة” في إقليم كرمانشاه الإيراني. ويقرب عددهم من مليونيْ شخص في إيران معظمهم ينتمون للفرقة المشعشعية ويوصفون بـ”المشعشعيين” أو “آتش بيكي مشعشعي”. ويبدو أن قسما من علويي تركيا وأفغانستان ينتمون أيضا إلى “المشعشعية”.

ويرى التابعون لهذه الفرقة الدينية المغالية أن الإمام المهدي تجسد في شخصية محمد بن فلاح “المشعشع” وأن علي بن أبي طالب هو الرب الذي تجسد في شخصية نجله علي بن محمد المشعشعي في القرن الخامس عشر ميلادي.

لم يتعرض التابعون لمذهب “أهل الحق” للأذى قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران، لكن بعد أن اتخذت الجمهورية الإسلامية من العقيدة الشيعية الإثني عشرية إيديولوجيا سياسية مرشدة للدولة، تغير الوضع وأصبحوا يتعرضون لشتى الضغوط. إذ تم تهديم العديد من معابدهم واُعتقل الناشطون منهم، بل وشملت الاعتقالات المحامين الذين تولوا الدفاع عن سجناء “أهل الحق”، مما أدى إلى احتجاج منظمات حقوق الإنسان العالمية على انتهاك حقوقهم الدينية. وقد اشتدت الضغوط عليهم في السنوات الأخيرة حيث يرزح حاليا العشرات منهم في السجون الإيرانية.

واحتفاظ الرجال بالشوارب الكثة يعتبر أمرا مقدسا لديهم، وقد أثار تحليق شوارب “كيومرث” أحد المؤمنين بعقيدة “أهل الحق” عنوة في سجن مدينة همدان في أيار/مايو 2013، أثار الاحتجاجات في هذه المدينة الواقعة غرب إيران. إذ قام “حسن رضوي” أحد المؤمنين بحرق نفسه في همدان، وتوفي متأثرا بجراحه. وقد تكرر الأمر مع شخص آخر منهم يدعى “نيكمرد طاهري” الذي انتحر محترقا في الرابع من يونيو/ حزيران المنصرم. كما تحدث موقع بي بي سي فارسي عن شاب مشعشعي انتحر محترقا يوم 27 من نفس الشهر في ميدان بهارستان أمام البرلمان الإيراني، حيث شهد هذا الميدان وقفة احتجاجية لعدد من هؤلاء حملوا شعارات تندد بقمع المنتمين لأهل الحق منها “لا إكراه في الدين”.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور