هل زار قادة فلسطين، اقليم عربستان؟


يوسف عزيزي

ايلاف 1 يناير 2017
يحن الشعب العربي الأهوازي للعالم العربي ويتابع احداثه بشغف، كإنسان يتيم فُصل عن والديه واهله. اذ يتسم هذا الحنين بالعاطفة والشجن؛ وقد ساعد المذياع ومن ثم التلفازعلى التواصل والتعاطي الأهوازي مع الشأن العربي، حيث اخذ ابناء هذا الشعب يتابعون عن كثب، القضية الفلسطينية وتطوراتها واحداث مصر عبدالناصر وعراق عبدالكريم قاسم. بل وشارك البعض منهم واستشهد في معارك العرب مع اعدائهم، ولم ينقطع هذا الاهتمام حتى الساعة، حيث نشاهد الشباب الأهوازي يهتف لصالح الشعب السوري الشقيق وضد بشار الاسد في الملاعب والشوارع كلما تسنح له الفرصة. والملفت في الامر ان الشعب العربي الأهوازي يساند دوما اعداء الانظمة الإيرانية التي تضطهده قوميا وعنصريا. فعبدالناصر وعبدالكريم قاسم كانا اعداء الداء لنظام الشاه الاستبدادي المعادي للعرب، ولهذا يكن الاهوازيين لهم المحبة، وبشار الاسد مكروة لديهم بسبب تحالفه وتبعيته للنظام الديني الشوفيني في إيران.
فرغم تعاطف الأهوازيين مع الشعوب العربية، لم يزر اي زعيم عربي اقليم عربستان خلال تاريخنا المعاصر، ماعدى زعيمين فلسطينيين، وذلك بالرغم من زيارة العديد من القادة العرب لطهران. وبالطبع استثني هنا بعض القادة العراقيين الذين زاروا المحمرة في عهد الامير خزعل بن جابر، ولم تطيء اقدامهم مناطق اخرى من عربستان ولم يحتكوا بجماهيرها.
في مطلع القرن العشرين وعندما كان الأهوازيون يحكمون انفسهم بانفسهم زار لأول مرة الشيخ امين الحسيني برفقة وفد فلسطيني، مدينة المحمرة والتقى بحاكم الإمارة انذاك الامير خزعل بن جابر، الذي اتحفه بمساعدات مالية ليمكنه من مواجهة المشروع الصهيوني الذي كان في بداياته.
والمرة الاخرى كانت بعد قيام الثورة الإيرانية بايام. اذ زار ياسر عرفات، طهران في يوم 17 فبراير/شباط 1979 بطلب رسمي من د. ابراهيم يزدي – مساعد رئيس الوزراء مهدي بازرغان – بعد 6 ايام من سقوط نظام الشاه. اذ كان اول زعيم عربي وعالمي يزور إيران بعد الثورة. فخلافا للبروتوكولات الدولية التي تتبنى فيها عادة وزارة الخارجية مسؤولية الضيوف الدبلوماسيين الاجانب، لم يهتم كريم سنجابي – اول وزير خارجية بعد قيام الثورة – بياسر عرفات والسبب هو اتجاهات سنجابي القومية الفارسية حيث كان يرأس الجبهة الوطنية (جبهة ملي) القومية الفارسية، فيما تبنى ابراهيم يزدي استضافته. وقد اقترح يزدي على ابوعمار زيارة مدن كبرى معروفة بمعالمها التاريخية كاصفهان وشيراز، غير انه رفض ذلك طالبا زيارة الأهواز، محرجا بذلك مساعد رئيس الوزراء الذي لم يرغب في اعماق قلبه ان يزور هذا الزعيم العربي مدينة عربية شبه محتلة في إيران. وكي لاتخرج الامور من يده، رافق يزدي، ياسر عرفات في زيارته الى الأهواز قبل يوم من نهاية زيارته لإيران التي استغرقت اسبوعا كاملا.
وقد امتلأ ملعب الإهواز عن بكرة ابيه بالجماهير الأهوازية وكانها تشاهد طيفا وليس واقعا يمر امام اعينها، وكانها لم تصدق ان زعيما عربيا يزورها بعد فراق دام قرون. رحب به الشعب العربي الأهوازي خير ترحيب، بل تحدت الناشطة الأهوازية انذاك، زهلولة دغاغلة، ابراهيم يزدي الذي كان يترجم لعرفات من العربية الى الفارسية معلنة باعلى صوتها: “لانريد ترجمة، نحن نفهم مايقوله ابوعمار”. انا مع الأسف لم اكن حاضرا في الملعب في ذلك اليوم لاني كنت ذاهبا مع صديق أهوازي الى العاصمة طهران للانضمام الى صفوف الثورة والوقوف امام جيوب الثورة المضادة التابعة للنظام الملكي المنهار.
وفي تموز/يوليو 1979 ادعا محافظ اقليم عربستان (خوزستان الرسمية) وقائد القوات البحرية الجنرال احمد مدني ان الزعيم السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش زار مدينة الفلاحية في الاقليم خلسة والتقى ببعض الذين وصفهم ب”المخربين والارهابيين الأهوازيين”. اذ اكد مدني في حوار مع صحيفة ” آيندغان” الإيرانية: ” اننا ضربنا الارهابيين الذين دعوا جورج حبش الى مدينة الفلاحية (شادغان) للقيام بعمليات تخريب في الاقليم”. جاء هذا الكلام تبريرا لإغلاق المراكز الثقافية والسياسية في مدن الاقليم وجريمته النكراء ضد ابناء شعبنا العربي الأهوازي في اواخر حزيران 79 في مدينة المحمرة. كما كشر الجنرال مدني في تلك المقابلة – التي لاتزال عالقة في ذهني – عن انيابه العنصرية مؤكدا انه فارسي قح وليس عربي خلافا لإسمه “سيد احمد مدني”. لكن الحقيقة التاريخية التي عشتها انا كناشط مخضرم شهد العهدين الملكي والجمهوري كالتالي: قام عدد من الشباب الأهوازيين الذين كانوا ينشطون سابقا في الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز وعادوا الى الوطن بعد قيام الثورة، وعلى رأسهم شخص يعرف بابوعارف، قاموا بفتح مركز ثقافي عربي في مدينة الفلاحية وفي احدى المناسبات عرضوا فيلما يظهر فيه الدكتور جورج حبش وبعض رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ونحن نعلم ان ابوعارف – الذي توفي في العام 2014 – كان ينتمي الى الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز ويتعاون ايضا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ وشارك في عمليات فيينا التي نظمها الدكتور وديع حداد وأدت الى احتجاز وزراء منظمة اوبيك في العاصمة النمساوية ومن ثم نقلهم بطائرة الى الجزائر في ديسمبر 1975.
ولم يعرض الفيلم للعامة بل عُرض في اجتماع خاص كان فيه احد المخبرين الذي نقل الخبر الى الجنرال مدني، غير ان الجنرال، حرف الامر، معلنا في مقابلته عن حضور الدكتور جورج حبش في الفلاحية وذلك لاغراض خبيثة اشرنا اليها سابقا. فلذا ان الحكيم لم يزر اقليم عربستان بتاتا.
وفي العام 1995 التقيت بالراحل جورج حبش في دمشق وكان معي الاخ جابر احمد الذي تربطه صداقات قديمة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعند اللقاء سألني الدكتور حبش مبتسما: ” هل انت من خوزستان؟” ورديت عليه ” نعم انا من عربستان”. ويبدو ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تلك الفترة كانت بحاجة لتعزيز علاقاتها مع النظام الإيراني والحكيم كان يعيش تحت سطوة النظام الاسدي في سورية ولهذا السبب حاول عدم استخدام تسمية عربستان – الرائجة في ادبيات الجبهة الشعبية لتحريرفلسطين لعقود – مستخدما تسمية خوزستان الفارسية، وقد فاجئني ذلك.
لم تنحصر حساسيات النظام الإيراني على زيارة الزعماء العرب للأهواز بل شملت الادباء ايضا. اذ عرقلت السلطات الإيرانية زيارة كان من المقرر ان يقوم بها الشاعر العراقي مظفر النواب الى عربستان في العام 2002. وقد زار مظفر النواب، طهران وقد التقيته عدة مرات في الفندق الذي كان يقيم فيه. اذ تحدث لي عن زيارة مرتقبة لعربستان ولقاء الأهوازيين الذين يحبونه بسبب قصائده حول الإهواز؛ وقد أراني تذكرة الطائرة التي كان من المفروض ان تقله من مطار طهران الى مطار عبادان، غير ان السلطات الإيرانية الغت تلك الزيارة في اللحظات الاخيرة وحرمته من لقاء إبناء جلدته، فيما كان الادباء والجمهور الإهوازي ينتظره في المطار بفارغ الصبر.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور