(من دفاتر الايام)
يوسف عزيزي
حاول النشطاء العرب ومنذ قيام الثورة الايرانية في فبراير 1979 ان يؤسسوا مركزا ثقافيا عربيا يلتئم فيه ابناء شعبنا العربي الاهوازي لإحياء آدابهم وثقافتهم المسحوقة والممنوعة في عهد السلالة الملكية البهلوية (1925 – 1979). واتذكر في مارس من نفس العام عندما تجمعنا في ملعب الاهواز لإستقبال الأب الروحي لنضال الشعب العربي الاهوازي، الشيخ محمد طاهرالخاقاني، كان بعض النشطاء يبحثون عن مبنى لشخصيات او شركات تنتمي لما كنا نصفهم بالطاغوت اي النظام الملكي لمداهمته لهذا الغرض. وقد تم ذلك في ابريل ذلك العام، حيث داهمت مجموعة من الشباب والنشطاء العرب، مبنى في حي الشكارة (بادادشهر) واعلنته مركزا ثقافيا عربيا في مدينة تقطنها اغلبية عربية تصل نسبتها الى نحو 80 في المئة، لم يوجد فيها حتى ذلك الحين اي مؤسسة او مركز له صبغة عربية. وقدجازف النشطاء واحتلوا مبنى لشركة هرب اصحابها الى الخارج بسبب إنتمائهم للنظام الملكي. لكن قبل ان يحدث ذلك بايام اجتمعت وعدد من اصدقائنا القوميين واليساريين العرب في بيت الصديق “ط – ع” المعروف باتجاهاته القومية في حي “الجمرك “بالاهواز. وقد تم طرح الخطة وصادقنا عليها بالإجماع. لكن المبادرين بالخطة طلبوا مني عدم المشاركة في عملية اقتحام المبنى وان اكون وراء الستار، اذ ردد احدهم المثل الاهوازي “قملتك بقعة”. ويبدو انهم كانوا قد درسوا الموضوع بينهم سابقا وقبل اللقاء معي. والحق كان معهم لان اركان السلطة الدينية في الاهواز كانوا يعرفونني جيدا. اذ كنت قد حاضرت قبل ذلك باربعة اشهر – اي قبل قيام الثورة بشهر – في كلية النفط بمدينة عبادان حول وضع الشعب العربي الاهوازي ونشرت بعض الكتب. وكان رد آيةالله ابوالقاسم الخزعلي – العضو السابق لمجلس صيانة الدستور في الجمهورية الاسلامية الايرانية – خطيرا، اذ هددني في احدى خطبه في مسجد “أذربيجان” بحي النهضة بالاهواز، قائلا: ” ظهر لنا واحد اسمه يوسف عزيزي من مدينة سوسنغرد(الخفاجية) يدعوا في محاضرة له في عبادان الى انفصال محافظة خوزستان (عربستان) من ايران ونحن نعلم ماذا نفعل بمثل هؤلاء”. ويبلغ اية الله الخزعلي حاليا 90عاما ولايزال من المؤيدين للنظام الديني في إيران رغم انشقاق نجله مهدي الخزعلي من النظام قبل ست سنوات.
وبالفعل استقر الشباب والنشطاء في المركز في يوم ربيعي من ايام شهر ابريل/نيسان واصبح معقلا للقوى القومية واليسارية العربية ومكانا للتثقيف حيث لم تمضي ايام وتم تأسيس مكتبة تحوي على كتب عربية وفارسية بواسطة الصديق الراحل ناصر آل علي. وكان ابناء شعبنا تقصد المركز من كل انحاء الاهواز، من ام تمير الى الخزعلية ومن حي النهضة (لشكرآباد) الى حي الشعب، مما جعله مركزا للامسيات الشعرية والمعارض والتعارف والتثاقف والنقاش حول المواضيع القومية والوطنية. فكنت تشاهد فيه شخص مثل “جاسم علوان” ذات الاتجاه القومي – الديني الى يساريين وشيوعيين عرب لا اريد ان اذكراسمائهم هنا بسبب وجودهم في الداخل، حيث لم تخل النقاشات من مشادات كلامية بعض الاحيان بين اليساريين والقوميين الاسلاميين. وكان ذلك طبيعي لانه لم تكن لدينا اي تجربة ديمقراطية سابقة، غير ان المركز حافظ على انسجامه حتى قام العسكر بقيادة الجنرال القومي الفارسي احمد مدني بمداهمته بالمدرعات. وقد وقع ذلك بايام بعد مااقتحمت قوات البحرية والمليشيات التابعة للحكومة الايرانية، المركز الثقافي العربي في المحمرة في اوائل يونيو/حزيران 1979. اذ اكدت السلطة الدينية الوليدة بانهالاتعترف باي حق واي نشاط للشعب العربي الاهوازي حتى لو كان ذلك ثقافيا بحتا. ونفس الامر وقع للشعب التركماني ومراكزه الثقافية في شمال ايران. وبالتزامن مع اقتحام المركز الثقافي العربي في حي الشكارة (بادادشهر) حولت السلطة، نادي سكك الحديد(باشگاه راه آهن) الواقع في حي الامنية بالاهواز الى مركز وصفته ب”المركز الثقافي الاسلامي”. ومن الذين نشطوا في ذلك المركز الذي تم تأسيسه لمنافسة “المركز الثقافي العربي” في الاهواز يمكن ان نشير الى هادي الكرمي وابراهيم العامري وعبدالله السلامي (ابوشافع) وعبدالله السلمي (ابووليد) ومسعودالفك. وقد نشر عبدالله السلمي – الوافد من ليبيا – صحيفة “عرب ايران” من هذا المركز حيث صدر منها ثلاثة اعداد وتوقفت بل وتوقف نشاط المركز بعد اغلاق المركز الثقافي العربي بفترة. فلا احد منا كان يتجرأ ان يدخل المركز الثقافي الاسلامي لانه كنا نسمع ان علي شمخاني وراء تشكيله. ويبدو ان السلطة الشمولية لم تتحمل هذا المركز ايضا رغم تقيد نشطائه بايديولوجية النظام انذاك. وقد ابتعد مسؤولو المركز الثقافي الاسلامي بالتدريج عن النظام حيث انتقل مسعود الفك (ابوخالد) الى مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الاهواز ومن ثم في طهران في اوائل الثمانينات من القرن الماضي. وفي الفترة الاولي لعهد رفسنجاني وعندما كان محسن ميردامادي محافظا لخوزستان (إقليم عربستان) اصبح ابراهيم العامري قائم مقام مدينة السوس لفترة وبعد غلبة المد اليميني في النظام، إعتزل ابراهيم العامري السياسة حتى انتخاب خاتمي رئيسا للبلاد في اواسط التسعينيات من القرن المنصرم حيث تحول هو وعبدالله السلامي الى قادة في الحركة الاصلاحية في الإقليم، مما ادى بهم ونشطاء اخرين الى تشكيل حزب الوفاق الاسلامي في الاهواز. كما تم اعتقال عبدالله السلمي(ابووليد) في العام 1981 لفترة لكن اُطلق سراحه بوساطة ليبية وعاد الى ماجاء منه اي الى طرابلس لكنني سمعت انه غادر ليبيا قبل سقوط القذافي باشهر ويعيش حاليا في احدى الدول الاسكاندينافية. وكانت الزنزانة المسجون فيها ابووليد في معتقل “چارشیر” مجاورة لزنزانتي هناك حيث تم اعتقالي في الاهواز في سبتمبر/ايلول 1981 بسبب نشاطي السياسي. فلم يكن يعرفني لكني عرفته بواسطة احد الاصدقاء المسجونين. فقد كنت مدرسا في ثانوية “شهيد شوراب” في حي الثورة (كمبلو) وقد تم اعتقالي باشارة من رئيس دائرة التعليم والتربية (ناحية 2) فيما كنت اسعى للانتقال الى طهران بسبب ظروف الحرب والاعتقالات الواسعة للنشطاء العرب واليساريين في الاهواز. وساكتب عن ظروف سجن “چارشير” في اول فرصة. كانت الفترة التي اعقبت ما عرف في ايران ب “30 خرداد 60” اي يونيو/حزيران 1981 فترة كالحة تم فيها قمع كل القوى القومية العربية وكذلك المعارضة بمافيهم مجاهدي خلق واليساريين حیث کان المئات منهم يرزحون في ذلك السجن الصغير،بينهم قرويين عرب متهمين بتهريب السلاح من العراق ومحكومين بالاعدام وكذلك نشطاء قوميين عرب وموظفين ومهندسين من شركة النفط ونشطاء مؤيدين لبني صدر ومجاهدي خلق واليسار الايراني. فلم تمر ليلة دون اطلاق رصاص وإعدامات جماعية كنا نسمعها من وراء الجدران. يذكر ان سجن “چارشیر” هذا يختلف مع سجن “زيتون” السري وهو بالمناسبة قريب لساحة “چارشیر” ايضا وقد سُجنت فيه ايضا بعد انتفاضة 2005.
وكما ذكرت، تم اغلاق المركز الثقافي الاسلامي بعد ان تمكنت السلطة الشمولية من اغلاق المركز الثقافي العربي، اي انها ارادت بتشكيل الاول ان تخفف من غضب الجماهير العربية في الاهواز بسبب اغلاقها للثاني، لكن وبعد ان اشتد عودها وتمكنت من السيطرة على الاوضاع، قامت باغلاق المركز الثقافي الاسلامي ايضا. فرغم كارزمية الخميني وتبعية معظم الجماهير العربية له في مطلع الثورة، لم يكن المركز الثقافي الاسلامي محبذا من قبل هذه الجماهير، بل كان المركز الثقافي العربي المكان المفضل للنشطاء والشباب العرب، اذ كان يضم القوميين واليساريين دون الاسلاميين المتشددين. كما ان إدراك النشطاء الدينيين العرب في المركز الثقافي الاسلامي لطبيعة النظام البعيدة كل البعد عن فهم متطلبات الشعب العربي بل والقامعة لها، ادى بانشقاق البعض منهم وتحول البعض الاخر الى اصلاحيين.
فلاشك ان عدم تحمل السلطة الدينية في طهران للمراكز الثقافية العربية وقمع الجماهير العربية المطالبة باقل الحقوق الثقافية والسياسية في اقليم عربستان ادى الى راديكالية الحركة الوطينة منها ظهور صحيفة “الكفاح” السرية في صيف 1979 كرد فعل داخلي وسلمي على هذا القمع.