الحراك السياسي والثقافي في الاهواز: ماله وماعليه

يوسف عزيزي
شهدت الاهواز عاصمة إقليم عربستان، خلال الاسابيع الماضية، حراكا سياسيا تمثل في اجتماع المئات من الاهوازيين امام مبنى المحافظة، احتجاجا على إهمال الحكومة الايرانية ازاء ظاهرة التلوث الحاد الناجمة عن الاعاصير الرملية وتجفيف هوري الدورق والعظيم من اجل استخراج النفط والمشاريع الحكومية الاخرى. كما اجتمع العشرات من مزارعي مدينة الفلاحية – الواقعة في جنوب شرق الإقليم – في الاهواز ورفعوا لافتات تحتج على تجفيف نهر الجراحي في مدينتهم واستثمار الحكومة لهم. وتُعد هذه ظاهرة يتيمة منذ سقوط الحكم العربي في اوائل القرن العشرين. اذ اجتمع العشرات من هؤلاء الفلاحين العرب بازيائهم العربية – الدشداشة والكوفية – امام الدائرة العامة للماء والكهرباء في الاهواز مطالبين برفع الظلم عنهم. فنشاهد هنا انه ليس المثقف والناشط العربي الاهوازي الذي كان حاضرا دوما في الاحتجاجات والمظاهرات والاجتماعات السياسية والثقافية، بل المزارع والفلاح العربستاني البسيط يجتمع بزيه العربي ويحتج ويطالب، وبذلك ينفض خوفا متأصلا عمره تسعون عاما. ولاشك ان لنشطاء مدينة الفلاحية دورا في تنظيم هذا الاجتماع يجب ان يُقتدى به في سائر المدن والقرى في الاقليم، حيث على المثقفين والنشطاء ان يعملوا على تشكيل نقابات فلاحية وعمالية عربية للمطالبة بحقوقهم المهنية والسياسية.
فاذا تدققنا في تظاهرات الاهوازيين ضد التلوث والتي استغرقت عشرة ايام وتجاوزت الاجتماع امام مبنى المحافظة لتصل الى الوسط التجاري للاهواز، نرى حضور اغلبية عربية واقلية غير عربية متضررة بدورها من التلوث وإهمال حكام طهران. لكن ماعدى بعض اللافتات العربية الصغيرة، كانت الهتافات باللغة الفارسية وذلك للاسباب التالية: اولا، إيصال المقصود باللغة الفارسية التي يفهمها المحافظ والمسؤولين الاخرين، وثانيا وهذا هو الاهم، منع النشطاء العرب من قيادة التظاهرات حيث تم استدعاء العديد منهم، قبل انطلاق الاحتجاجات، الى دائرة الاستخبارات في الاهواز وتم تهديدهم بالسجن اذا قاموا بتسيير المظاهرات، مما يُفهم منه ان الاستخبارات والحكومة الايرانية ترجح ان يقود النشطاء من الاقلية الفارسية، المظاهرات اذا اضطرت ان تقبل بها، وهذا ماتم فعلا. ورغم اننا شاهدنا بعض اللافتات الصغيرة باللغة العربية غير انه وفي مثل هذه الحالات كان على النشطاء العرب ان يرددوا هتافات عربية بين كل خمسة او عشرة هتافات فارسية، وذلك لإحباط اهداف الاستخبارات والتأكيد للإيرانيين والعالم ان الاغلبية هم اهوازيون.
بما ان قوات الامن لاتستطيع ان تحتوي الملاعب الرياضية، فقد رفع الناشطون الاهوازيون، لافتات عربية خلال مباريات لكرة القدم بين فريق محلي واخر من اصفهان يوم الجمعة 13 شباط/فبراير، تندد بإهمال الحكومة لبيئتهم وحياتهم رافقتها هتافات لاُلوف من المتفرجين العرب تؤكد على عروبة الاهواز، وهذا مانتوقعه خلال المباريات المزمع اجراءها بين فريقي فولاد الاهوازي والسد القطري يوم الاربعاء 25 شباط/فبراير. وتُظهر احتجاجات الاهوازيين في شباط/فبراير 2015 مدى وعي الجماهير حول المنشأ الداخلي والمحلي للتلوث ورفض كذبة المسؤولين الايرانيين حول منشأه الخارجي. وعلى هؤلاء الناشطين ان يركزوا من الان وصاعدا على موضوع البطالة المتفشية بين الجماهير العربية والتي ادت في بعض الاحيان الى جنون العاطلين عن العمل او قيامهم بالانتحار. كما والاهم من ذلك التركيز على العمليات الاستيطانية وتغيير التركيبة السكانية لصالح غير العرب، فهاهي مستوطنة “رامين” التي قامت شركات تابعة لقوات الحرس الثوري ببناءها بتشجيع من امين مجلس مصلحة النظام الايراني محسن رضائي لتجلب ابناء جلدته من شمال الاقليم الى هذه المستوطنة لتضاف الى المستوطنات غير العربية الاخرى في الاهواز. اي انه وبمساعدة السلطة الايرانية ينوي ان تتحول سكان شرق مدينة الاهواز الى اغلبية فارسية ليتفرغوا بعد ذلك لغربه. فلذا يُعد موضوع تغيير التركيبة السكانية اهم من الاعاصير الرملية والبطالة، لانها تهدد كيان العرب في الاهوازووجودهم. كما ان مستوطنة “رامين” تقام على آثار مدينة “عسكر مكرم” التاريخية حيث يجب على النشطاء الاهوازيين في الداخل والخارج الاستناد الى هذه القضية للاحتجاج على إقامة هذه المستوطنة الفارسية.
ولابد هنا ان اُشير الى مبادرة النشطاء العرب بإقامة احتفال اليوم العالمي لللغة الام في مدينة الاهواز يوم الجمعة 20 شباط/فبراير، بحضور المئات من الاطفال واليافعين وسائر فئات المجتمع العربي في مدينة الاهواز.وهي ايضا ظاهرة غير مسبوقة حيث رحب الجمهور الاهوازي بهذا الاحتفال القومي. والاهم من ذلك مشاركة الاقلية المندائية (الصابئة) في هذا الاحتفال حيث قدمت فرقة انشادها نشيدا باللغة المندائية. وقد يساعد هذا، على اندماج هذه الاقلية الدينية المضطهدة في الجمهورية الاسلامية بحاضنتها العربية الاهوازية، والحد من هجرة ابناءها الى الخارج بسبب الاضطهاد القومي والديني. فخلافا لما يحدث من عنف ضد الاقليات الدينية في المنطقة، اثبت الشعب العربي الاهوازي في هذا الاحتفال انه منفتح على ابنائه من سائر الاديان والاقليات. كما شاهدنا استعراض راقص لفتيات اهوازيات وهو نوع من التحدي لما فرضه المتشددون الدينيون في ايران على مثل هذا الفن لمدة ثلاثة عقود ونيف. لكن ذروة الاحتفال، كانت كلمة قصيرة القاها ابراهيم حسن، الطفل العربي الاهوازي ذو السنوات الثماني، حيث قال في كلمته التي ادت الى تساقط الدموع من عيون بعض الحاضرين وقوطعت بتصفيق الحضور في داخل وخارج القاعة اللمتلئة، قال مخاطبا الرئيس الايراني حسن روحاني: ” لماذا لم تسمحوا لي ان اقرأ وأكتب بلغتي العربية؟ لماذا لغتي اصبحت محرمة علي؟ لماذا تريدون مني ان اتخلى عن لغة آبائي واجدادي؟ فخامة الرئيس انا احب ان أُسمي الرمانة في المدرسة كما تعودت في البيت، وان اُسمي الوردة كذلك، وان اُسمي اُمي وأبي واُخوتي واصدقائي كذلك. لماذا حرمتموني من هذه النعمة التي انعم الله بها علي؟ فاني اريد ان اصف السماء كما افهمها وافكر بها واتخيلها، اريد ان اكتب عن الارض كما اعيش فيها. هل تعلم يا سيد الرئيس باني لم استطع من منافسة زملائي (الفرس) في الصف وعجزت عن اللحاق بهم، لانني لم اتعلم لغتي، بينما هم يتعلمون بلغتهم، وانت بدل ان تساعدني على ذلك تتهمني بالتخلف وقلة الذكاء، فالاجمل ان تساعدني للوصول الى اُمنيتي وهي ان ادرس واتعلم بلغتي الجميلة وبقية الاطفال. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور