سجين إيراني نال جائزة عالمية يروي فظائع التعذيب بإيران

المصدر: دبي – موسى الشريفي

حوار اجراه معي موقع “العربية نت” تحدثت فيه عن التعذيب في السجون الإيرانية، خاصة وان كتابي الحائز على جائزة ابن بطوطة يحتوي على غيض من فيض التعذيب الممنهج في إيران. وقد تطرقت الى المعايير المزدوجة في الكشف والاعلان عن التعذيب حيث يركز الاعلام وشبكات التواصل الفارسية على تعذيب اسماعيل بخشي وسبيدة قليان – وهذا ضروري – فيما يتم اهمال خبر وفاة اثنين من الاهوازيين – احمد الحيدري وعلي بيت صياح – تحت التعذيب في اكتوبر الماضي في سجون الاهواز المظلمة واليكم الحوار:.

تعود الأخبار والتقارير حول السجناء والمعتقلين في السجون الإيرانية إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، حيث تنتشر قصص معاناتهم بشكل واسع، عابرةً حدود بلدهم متجهةً نحو العالم لتروي حكايات مريرة تتحدى كتب الروايات وتخوض المسابقات الأدبية وتحصد الجوائز، لما تحمله في طياتها من معاناة إنسانية مرّ بها الكتاب والصحافيون والمثقفون في السجون الإيرانية.

وفي القائمة الطويلة للسجناء في إيران، يبرز اسم الباحث والكاتب والإعلامي يوسف عزيزي بني طرف، الذي فاز كتابه بجائزة “ابن بطوطة الأدبية” لأفضل ترجمة من الفارسية للعربية. ويتطرق بني طرف في كتابه هذا للتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له في زنزانته بالسجن.

ولمعرفة ما جاء في المذكرات التي استحقت كسب الجائزة الأدبية في إيطاليا، أجرت “العربية.نت” مقابلة مع صاحب تلك المذكرات، الكاتب والباحث والإعلامي والعضو المؤسس لـ”رابطة الكتاب الإيرانيين” وعضو “رابطة القلم البريطانية” وعضو شرف “اتحاد الكتاب العرب” ورئيس “منظمة مكافحة العنصرية ومعاداة العرب في إيران” يوسف عزيزي بني طرف. وروى بني طرف تجربته في السجن والتي سمَّاها “وراء الشمس”، والتي ترجمها الى العربية عائض أل ربيع من السعودية.

كتبت مذكراتك حول أيام السجن التي مررت بها في إيران، وحازت تلك المذكرات على “جائزة ابن بطوطة الادبية”، لماذا سُجنت؟

سجنت لأنني كشفت عن عورة النظام الإيراني المعادي لطموحات شعبنا العربي الأهوازي وسائر الشعوب الإيرانية. فبعد انتفاضة شعبنا الباسل في 15 نيسان/أبريل 2005، ومن طهران التي كنت أسكنها، أجرت معي وسائل الإعلام العربية والفارسية والأجنبية، بما فيها قناتا “العربية” و “أم. بي. سي”، عشرات المقابلات. وفي هذه المقابلات، انتقدت بشدة السلطة الإيرانية لقمعها الدامي للمظاهرات السلمية لأبناء شعبنا وقتلها نحو 50 متظاهرا واعتقال المئات منهم في إقليم عربستان. دافعت عن حق هذا الشعب المضطهد قوميا وعنصريا بالتظاهر السلمي. كان ذلك ردا فعليا طبيعيا على ما قامت به السلطات الإيرانية، وهي ليست المرة الأولى التي تلطخ أياديها بدم أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره. منحني موقعي ككاتب وصحافي وعضو في “اتحاد الكتاب الإيرانيين” المعارض إمكانية أن اضطلع بمسؤوليتي القومية تجاه شعبي. مما زاد الطين بلة، كلمة ألقيتها قبل اعتقالي بساعات خلال اجتماع عُقد في مبنى “مركز مدافعي حقوق الإنسان” في إيران الذي ترأسه شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل. حضر الاجتماع مساعد المدعي العام لطهران آنذاك سعيد مرتضوي. وأثارت كلمتي ومقابلاتي الذعر بين أوساط السلطة الإيرانية. ولا شك أن مواقفي السابقة في الدفاع عن حقوق شعبنا منذ قيام الثورة وحتى يوم الاعتقال ونشاطي وانتخابي كعضو في هيئة إدارة “اتحاد الكتاب الإيرانيين” أثارت غضب الاستخبارات الإيرانية التي قتلت قبل ذلك اثنين من زملائنا – محمد جعفر بوينده ومحمد مختاري – في الاتحاد. وأنا أيضا كنت على قائمة المئة كاتب وصحافي معارض المطلوب قتلهم من قبل الميليشيات التابعة للاستخبارات في التسعينيات من القرن الماضي.

كم مرة اعتقلتك السلطات في إيران؟

دعني أبدأ من عهد الشاه حيث ذقت طعم السجن وأنا طالب في جامعة طهران في العام 1972 بسبب دوري الرئيسي في تنظيم مظاهرات ضد حكم الشاه في كليتنا التابعة للجامعة. وسجنت حينها في مكان سيئ السمعة يُعرف بـ”سجن اللجنة المشتركة للسافاك والشرطة” والذي تحول في عهد خاتمي إلى متحف لآلات التعذيب. وفي الواقع، كان السجن ذائع الصيت بالنسبة للتعذيب في إيران آنذاك، لكن حكم رجال الدين بيّض وجه الشاه في هذا المجال، وذلك بسبب الجرائم الرهيبة التي تمت في سجون الجمهورية الإسلامية خلال العقود الأربع المنصرمة. وبعد الثورة، تم اعتقالي في الأهواز العاصمة حيث كنت مدرسا في ثانوياتها. وفي سبتمبر/أيلول 1981 تم إيداعي في زنزانة بمقر الحرس الثوري في ساحة “جارشير” حيث، كنت أسمع يوميا نوعين من الأصوات: صوت الرصاص الذي كان يحصد كل ليلة أرواح نحو 30 سجينا منهم نشطاء قوميون عرب ومنهم من ينتمي لمجاهدي خلق ومنهم لليسار الراديكالي، وصوت المدافع العراقية التي كانت تدك المدينة من مسافة نحو 40 كيلومترا. فلم نكن نعلم هل نسلم من هذا الرصاص الإيراني أو تلك القذائف العراقية. وأهالينا لم يعلموا عن مكان اعتقالنا لأن السجانين لم يعلنوا عن ذلك بل أنكروا أصلاً اعتقالنا، حيث تصورت أسرتي أنني قد قُتلت أو عُدمت. اضطرت زوجتي وابن عمي الشاعر أبوسعيد أن يبحثا عن جثتي في مشرحات مستشفيات الأهواز بين المقتولين في عمليات الإعدام، وكانوا بالعشرات، وبين المقتولين بقذائف المدافع والهاونات العراقية، فلم يجدوا شيئا، لذا وفي النهاية، اضطر السجانون أن يعلنوا عن مكان اعتقالي.

والمرة الثانية، تم اعتقالي بعد عودتي من مبني “مركز مدافعي حقوق الإنسان” في إيران يوم الاثنين 25 نيسان/أبريل 2005. وبت ليلة في القسم الخاص بوزارة الاستخبارات في سجن إيفين بطهران، ومن ثم نقلوني إلى سجن سري رهيب في الأهواز حيث قضيت صيف المدينة الحار جداً في ذلك السجن الذي يرزح فيه حاليا قادة الحركة العمالية في إقليم عربستان وعدد من النشطاء والمثقفين العرب الأهوازيين. وخصصت كتاب مذكراتي الذي صدر من قبل “دار المتوسط” في إيطاليا والذي حصد جائزة مؤسسة “الرحلة” الإماراتية لما جرى لي في هذا السجن. كنت أعيش في زنزانة طولها ثلاثة أمتار وعرضها أقل من مترين، مع الصراصير والسحالي التي تكثر في مثل هذا الموسم بالأهواز والتي لم يمنعها السجانون من دخول زنزانتي. وتعرضت لتعذيب نفسي لا يطاق، تضمن التهديد بالإعدام في حي الثورة أو جلب زوجتي وابنتي إلى نفس السجن. وقد شاهدت الموت بأم عيني مرتين: مرة عندما تركوني لوحدي في فناء السجن وتحت شمس الأهواز الحارقة لساعات دون ماء منهكا عطشان وجوعان، والأخرى عندما كانت الكهرباء تنقطع ولم يفتحوا باب الزنزانة ولا أي ثغرة صغيرة أخرى لدخول الهواء، مما يضطرني أن أخلع كل ملابسي كي لا أموت حرا. وقد ساعدني حظي بأني من أبناء المنطقة، وإلا لو كان السجين من المناطق الإيرانية الباردة لمات أو سقط مريضا في هذه الظروف.

أشرت في مذكراتك إلى التعذيب النفسي والتهديد في المعتقلات. هل ممكن تشرح لنا هل هناك عمليات تعذيب منظمة في المعتقلات والسجون كما تقول المعارضة الإيرانية؟

أذكر لك هنا بعض الأمثلة عن التعذيب، بشكل ملخص. فقد اعتقلوا صديقنا الشاعر الإيراني والعضو البارز في “اتحاد الكتاب الإيرانيين سعيد” سلطانبور وسط حفل زفافه بطهران في أبريل/نيسان 1981 وكسروا ضلعه في سجن ايفين وليعدموه في يوليو/تموز من نفس العام، لأنه شاعر معارض للحكم الديني. كما مات الباحث سعيدي سيرجاني في العام 1994 إثر استخدامه تحاميل “البوتاسيوم” لتليين الإمساك، وقد وفرها له عناصر الاستخبارات إلا أنهم أكدوا له أنها “الملينات الطبيعة” بينما في الواقع كانت هذه التحاميل مميتة له. واكتفي بهاتين الحالتين كنموذج من مئات حالات التعذيب في السجون الإيرانية، منها ما يؤدي للموت لكن السلطات تعلن أن السجين انتحر أو أصيب بجلطة قلبية. وإذا كان السجين معروفا مثل الزعيم العمالي إسماعيل بخشي في مدينة السوس بإقليم عربستان، تتفجر قضية تعذيبه لتعم إيران كلها بل تصل للخارج. لكن إذا لم يكن السجين معروفا، سيموت حتى دون أي ضجة كما حدث للأهوازيين أحمد الحيدري وعلي بيت صياح اللذين قُتلا تحت التعذيب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في سجن شيبان بالأهواز دون أن يثير ذلك انتباه الكثير من الإيرانيين، وهما ضمن العديد من العرب الذين يفارقون الحياة في سجون الأهواز وخاصة المعتقل السري، “معتقل الموت”، في حي زيتون والذي قضيت أنا في إحدى زنازينه 65 يوماً.

ما هي أساليب التعذيب التي تمارسها السلطات الأمنية في السجون الإيرانية؟ وكيف ترى تطور عملية التعذيب في إيران منذ الثورة حتى الآن؟

شهدت السجون خلال السنوات الـ40 الماضية من عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية مراحل مختلفة من التعذيب، تتغير أساليبها حسب الظروف التي كان يمر بها النظام الاستبدادي في إيران. فقد كانت الفترة الممتدة من قيام الثورة في فبراير/شباط 1979 حتى وقوع مذبحة السجون في العام 1988 أشد وأحلك مراحل شهدتها هذه السجون. لكن بعدها أيضا، استمر التعذيب ضد المعتقلين بشكل أو بآخر، وهو منظم وجزء لا يتجزأ من روتين الحياة في السجون الإيرانية. واتسمت المرحلة الأولى بأعمال رهيبة، كاغتصاب الفتيات العذارى قبل إعدامهن، واستخدام أدوات للتعذيب اخترع بعضها السجانون الفرس خلال تاريخ الأباطرة المستبدين في الامبراطوريات المتعاقبة في إيران. وبعد تصفية نحو 5000 سجين سياسي في العام 1988، خفّ عدد المساجين في إيران لكن السجون لم تفرغ كاملا. بعد العام 1998، أي منذ عهد خاتمي، أخذ السجانون يستخدمون التعذيب النفسي أكثر من التعذيب الجسدي. لكن في الفترات التي كان يتعرض فيها النظام لهزات شعبية كما حصل في مظاهرات “الحركة الخضراء” في إيران عام 2009 شاهدنا عودة التعذيب السائد في الفترة الأولى مرة أخرى، إذ وقع اغتصاب للرجال المعتقلين في سجن “كهريزك” في ضاحية طهران ووفاة عدد من السجناء تحت التعذيب. وقد وصفت “منظمة العفو الدولية” في تقريرها الخاص بإيران عام 2018 بأنه “عام العار” بسبب اعتقال أكثر من 7000 ناشط من القوميات والعمال والنساء والصحافيين والمحامين والطلاب. و600 شخص من هؤلاء تم اعتقالهم في إقليم عربستان بعد الهجوم المسلح على منصة العرض العسكري بالأهواز يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، بينهم نشطاء مدنيون ودينيون ومثقفون، أبرزهم الباحث الأهوازي قيس الغزي الذي، حسب علمنا، يتعرض هو وسائر النشطاء المدنيين العرب لعمليات تعذيب بهدف نزع منهم اعترافات بأشياء لم يرتكبونها. ولا ننسى الناشط والباحث الأهوازي المهندس محمد علي العموري المسجون منذ 2013 والذي تعرض لتعذيب شديد ويتعرض حاليا لمضايقات مختلفة.

هل ترى أفقا في المستقبل القريب لتحسين أوضاع السجناء وحقوق الإنسان في إيران؟

نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وبسبب طبيعته الشمولية والمعادية لحقوق الإنسان، لا يمكن أن يعيش دون عمليات التعذيب لأنها تقع ضمن عقيدة النظام. وسمعت من أحد المقربين من المرشد الأعلى علي خامنئي أنه ومنذ اليوم الأول لتعيينه مرشداً كان يؤكد أنه لا يمكن الحكم في إيران دون زرع الخوف في قلوب المواطنين. وقد سمعنا كثيراً عن مقولة “النصر بالرعب” في الإعلام المعارض، وهي تعني أن القادة في إيران يرون أن السلطة تستطيع أن تستخدم العنف في السجون وخارج السجون من أجل استمرار الحكم الديني في إيران. بل ذهب الخميني أبعد من ذلك، معلناً أن الحكومة بإمكانها أن تعطل ليس الأحكام الثانوية للدين فقط، بل بعض الأحكام الأولية كالصلاة مثلاً، وذلك بهدف بقاء واستمرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وقد تخف أو ترتفع وتيرة التعذيب في السجون الإيرانية وفقا لكفاح نشطاء المجتمع المدني في داخل إيران وخارجه، إذ يمكن أن يتراجع النظام أمام هذا المد الكاشف للتعذيب الممنهج في السجون الإيرانية، لكنه لم يتخلَّ عن التعذيب نهائياً. فلذا النضال ضد التعذيب في إيران، وإن لم يؤدِ إلى استئصاله نهائيا، لكن يمكن أن يخفف من وطأته. ولا ننسي أنه كلما ضعف النظام، ضعفت إراداته النازعة للبطش والقمع.

ماذا تفعل حالياً بعد هذه تجربة في السجن والمضايقات التي مريت بها؟

كانت تجربة السجن مريرة لكنها أيضا علمتني الكثير. أضف إلى ذلك الضغوط التي كنت أتعرض لها من قبل الاستخبارات والسلطة القضائية، وهي في الواقع تابعة للأجهزة الأمنية، وكذلك أبنائي الاثنين حيث سجنوا في العام 2008 ابني الذي كان طالبا في سوريا، وكاد يسلمه النظام السوري إلى إيران لولا جهود المنظمات الحقوقية العربية والأجنبية وبعض الناس الشرفاء في سوريا نفسها. وكانت تلك فترة مؤلمة لي ولأمه حيث كنت أتمنى أن أُسجن أنا وليس ابني الذي سجن بسبب نشاطي انا. كذلك تم حرمان ابنتي من دراسة الماجستير في جامعة طهران في العام 2006 رغم معدلها الممتاز. شعرت بنوع من الراحة النفسية بعد أن غادرت وطني الذي كنت ولا أزال أعشقه. أنا وبعض الرفاق الأهوازيين نعمل ضمن “مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في إيران” للحد من هذه الظاهرة اللاإنسانية التي تستهدف العرب أكثر من غيرهم في إيران. كما أكتب في الصحافة والمواقع العربية والفارسية وأقضي بعض الوقت لقراءة وكذلك تأليف الكتب التي لطالما مواضيعها شغلت بالي. كما أنشط إعلاميا وسياسيا ضد النهج الاستبدادي والعنصري الذي ينتهجه النظام الإيراني تجاه الشعوب غير الفارسية وخاصة الشعب العربي الأهوازي.

V

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور