يوسف عزيزي
العرب [نُشرفي 08/07/2013]
في هذا المقال أحاول أن أرد على هذا التساؤل، خاصة بعد أن أخذت «القضية القومية» أو قضية القوميات غير الفارسية تطرح نفسها على الساحة السياسية الإيرانية. وقد شاهدنا ذلك حتى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (حزيران 2013) حيث تطرق جميع المرشحين إلى هذا الموضوع وعرض 3 من منهم أي حسن روحاني ومحمد رضا عارف ومحسن رضائي برامجهم من أجل حل القضية القومية في إيران .
وسأقدم تعريفا لإيران التاريخية منذ العهد الصفوي حتى العهد البهلوي أي من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، وسأؤكد أن إيران تتألف من شعوب ومجموعات قومية متنوعة كان لها سلطانها وسلطاتها الخاصة، منها الشعب العربي والكردي واللوري والغيلكي والأذري.
لقد حكم البلاد التي أخذت توصف رسميا منذ أوائل القرن العشرين بـ»إيران «، أباطرة وشاهنشاهات عبر التاريخ شكلوا إمبراطوريات واسعة كانت توصف بأسمائهم وليس باسم إيران مثل «الإمبراطورية الأخمينية»، و»الإمبراطورية الساسانية»، و»الإمبراطورية الصفوية»…الخ. وقد وصف العرب هذه البلاد باسم بلاد الفرس وما يوصف حاليا باسم الجمهورية الإسلامية الإيران ية ليست إلا بقايا لتلك الإمبراطوريات التي التحقت بها شعوب وانفصلت عنها أخرى.
فخلال الإمبراطورية الصفوية والإمبراطورية الزندية وحتى أوائل الإمبراطورية القاجارية، أي منذ أوائل القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر، كانت هذه الإمبراطوريات تتشكل من 4 ممالك: كردستان، ولورستان، وعربستان، وجورجيا. فهذه المناطق القومية غير الفارسية كانت توصف بالممالك (جمع المملكة) وليست الولايات أو المحافظات. وقد انفصلت مملكة جورجيا عن هذه الإمبراطورية في أوائل العهد القاجاري أي أوائل القرن التاسع عشر. واستند هنا إلى كتاب «رستم التواريخ» لكاتبه محمد هاشم آصف المعروف بـ»رستم الحكماء» المكتوب باللغة الفارسية في أوائل القرن التاسع عشر، ويتطرق فيه إلى أحداث نهايات الإمبراطورية الصفوية وحتى زمن حياته في عهد الشاه فتحعلي القاجاري. ويذكر الكتاب، أسماء حكام الممالك الأربعة في عهد الشاه كريم خان الزند بما فيهم حاكم مملكة عربستان، الشيخ عبدالله الكعبي. إذ كانت هذه الممالك التابعة للإمبراطورية الفارسية، أهم حتى من أصفهان التي كانت «ولاية» وليست «مملكة» حيث كان حاكمها يوصف بـ»بيكلر بيك» وهو أقل مرتبة من «الوالي» أي حاكم المملكة. ويوجد في الكتاب، فصل تحت عنوان «قائمة تجميع الضرائب لحسابات الديوان الخاص بالممالك الإيرانية» أي الممالك الأربعة: عربستان وكردستان ولورستان وجورجيا.
كما يصف المستشرق الألماني «روهر بورن» في كتابه المترجم إلى اللغة الفارسية تحت عنوان «نظام الولايات في العهد الصفوي» هذه الممالك بـ»الحكومات التي تدفع الضرائب للدولة الصفوية». ويضيف أن ملوك الصفوية والأباطرة الذين سبقوهم، كانوا يستخدمون السلالات المحلية لإدارة بعض المناطق بسبب «التباين في الدين واللغة والثقافة كما هو في جورجيا وعربستان… الخ». وهذا معناه أن هذه الممالك كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية وليست جزءا منها.
وقد انفصلت جورجيا في أوائل القرن التاسع عشر عن الإمبراطورية القاجارية حيث ضمت إيران منذ ذلك الحين 6 ممالك: عربستان، ولورستان، وكردستان، وأذربيجان، وجيلان، وخراسان. وسائر مناطق البلاد، إما كانت ولايات وإما محافظات. إلى أن قضى الشاه رضا البهلوي في 1925 على هذا النظام الإداري وحول «الممالك المحروسة الإيرانية» التي دامت لمدة 5 قرون إلى «مملكة إيران الشاهنشاهية». وتقطن هذه الممالك، شعوب متباينة لغويا وثقافيا ومذهبيا. وعلى سبيل المثال لهذه الممالك، كانت مملكة عربستان وحتى مطلع العهد البهلوي، تتمتع بحكم ذاتي واسع يماثل ما يتمتع به حاليا إقليم كردستان في العراق.
وقد حكمت سلالات عربية، إقليم عربستان منذ العام 1436 وحتى العام 1925 تارة بصورة مستقلة وتارة بصورة استقلال داخلي وحكم ذاتي واسع جدا.
ولم يلغ الدستور الناتج عن الثورة الدستورية (1906 – 1909) مسمى «الممالك المحروسة الإيرانية» بل أكد عليه في بعض مواده، وهذا يعني أن ماهية إيران وحسب تعريف أول ثورة حديثة في تاريخ إيران المعاصر، هي إمبراطورية تتسم بالتعددية الإثنية والقومية.
وقد حاولت السلالة البهلوية (1925 – 1979) إهمال الطبيعة الإمبراطورية للبلاد وإرساء ما يوصف بالدولة- الأمة الإيرانية وتبعتها في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية إثر قيام ثورة فبراير 1979.
غير أن هذه الدولة- الأمة وبإنهائها لسيادة القوميات الأخرى وقمعها لثقافاتها ولغاتها، كدست أساسا السلطة والثروة بيد إحدى المؤلفات القومية للإمبراطورية الإيرانية، وهي القومية الفارسية، وحرمت بذلك الشعوب الأخرى من أدنى حقوقها القومية. غير أن الدولة- الأمة الإيرانية لم تنجح في صنع أمة إيرانية حقيقة بسبب عدم التكافؤ هذا، وشهدنا تعثرها خلال العقود الثماني المنصرمة وخاصة بعد قيام ثورة 1979. إذ حاول الشعبان الأذري والكردي، إقامة أقاليم ذات حكم ذاتي خاصة بهما في أربعينيات القرن الماضي، غير أن الحكومة في طهران قمعتهما بقسوة.
وقد تكرر البطش والقمع بعد قيام الثورة الإسلامية حيث شهدت إيران صحوة قومية بين الشعوب غير الفارسية، بل وباتت كردستان مسرحا لصراعات دموية استمرت حتى أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم. ومنذ عقدين نشهد تطورا للوعي التاريخي بين الشعوب غير الفارسية وهي تطالب بتغيير طبيعة الإمبراطورية المتلبسة بلباس الجمهورية الإسلامية لتكون جمهورية عصرية مبنية على التكافؤ بين الشعوب القاطنة في جغرافية إيران. ويبدو أن على هذه الإمبراطورية في الباطن، والجمهورية في الشكل أن تحسم أمرها مع نفسها ومع شعوبها وقومياتها، لتحل قضية التمييز ضد الآخر إن كان غير فارسي أو غير شيعي أو امرأة أو صوفي أو أي إنسان يقع الآن في موقع الأقلية. وللحيلولة دون تفكك إيران- مهما كان حاكمها- لامناص من أن يتم إعادة صياغة حكمها بشكل عصري جديد يمنح الشعوب غير الفارسية حقوقها الكاملة غير المنقوصة.
فهل يصبح انتخاب روحاني مقدمة لمنح أقل ما تطلبه هذه الشعوب، وذلك وفقا للوعود التي قطعها لتحقيق بعض هذه الحقوق، أم أنه سيكرر مماطلة الإصلاحيين في هذا المجال وتتجه إيران إلى حلول ثورية أو ما شابه ذلك كما حدث في مصر وربما سوريا.