ناصر خسرو، رحالة ايراني نقل التجربة الثمينة شعريا

NaserKhesraw

 

يوسف عزيزي

ايلاف –  الجمعة 10 أغسطس 2007

شهدت الحضارة الاسلامية وفي ذروتها، رحلات لادباء وعلماء وجغرافيين غادروا ديارهم وجازفوا بارواحهم ليسيروا في اطراف الارض واكنافها ليكشفوا عن المجهول، خدمة للعلم والمعرفة. فالكتب التي الفها ابن جبير وابن بطوطة وياقوت الحموي والادريسي وابوريحان البيروني وناصر خسرو البلخي وسعدي الشيرازي ليست الا النزر اليسير من الكثير.

اذ تحوي كتب هؤلاء الرحالة، علي معلومات جغرافية وتاريخية وسوسيولوجية وادبية لم تستغني عنها اليوم اية مؤسسة علمية او موسوعة جغرافية في العالم بسبب دقتها واهميتها العلمية.

لاشك بان الحضارة المتقدمة والمزدهرة هي التي تنتج مثل هؤلاء الرحالة والعلماء والادباء حيث انمحي اثرهم عقب الانحطاط التي اصاب الحضارة العربية ــ الاسلامية. وقد خلفت الحضارة الغربية، الحضارة الاسلامية، بعد النهضة الفكرية التي شهدتها الحضارة الاوروبية في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين.

وقد قام الرحالة الاوروبيين ومنذ القرن الثامن عشر برحلات مختلفة الى الشرق وخاصة الى العالمين العربي والاسلامي، حيث اصبحت الكتب التي الفوها في هذا المجال مصادر هامة للتعرف علي اوضاعنا الاجتماعية والسياسية الجغرافية في العصر الحديث.

ويكمن سر الرحلات القديمة المكتوبة بالفارسية او العربية ليس في اهمية معلوماتها بل وفي فخامة لغتها وسلاسة نثرها حيث كان الكاتب ــ الرحالة يكتب ملاحظاته وخبراته بلغة جميلة نابضة بالحياة وهذا ما يميزه عما يكتبه اليوم بعض الصحفيين عن البلدان التي يزورونها بلغة صحفية ركيكة سريعة الاستهلاك.

كما هناك فرق ايضا بين الرحلات القديمة نفسها حيث اذا قارننا كتاب (ماللهند) للبيروني مثلا – رغم اهميته العلمية ــ مع كتاب رحلة ناصر خسرو او مع (غولستان) سعدي الشيرازي وهو مجموعة حكايات معظمها ترتبط برحلاته العديدة؛ نرى ان الكتابين الاخيرين هما الاكثر رواجا بين مختلف فئات الشعب و السبب يعود الى اختلاف النثر واللغة بين هذه الكتب الثلاث حيث يعبئ شخص كناصر خسرو او سعدي الشيرازي، مفرداته بشحنة عاطفية قوية، فيما يعامل البيروني الالفاظ كمواد علمية صلبة غير منعطفة.

وتنشأ اهمية كتاب (رحلة ناصر خسرو) من انها مصدر جغرافي وتاريخي وعلم اجتماعي ليس للايرانيين فحسب بل للعرب والغربيين ايضا. وهاهي الموسوعات البارزة كموسوعة فلسطين والموسوعة البريطانية والموسوعة الفارسية اللواتي ينهلن من معلومات هذه الرحلة القيمة. كما وانها منهل للالفاظ والمفردات الفارسية. وقد ابدى ناصر خسرو ابداعا وبراعة في معرفة البلدان والمدن التي زارها ومنها آسيا الصغري – تركيا الحالية – ولبنان والشام ومصر والحجاز والعراق والاهواز وسائر المناطق الايرانية. وقد ركز ناصر خسرو علي معرفة العمارة والمواقع الاثرية والطبيعية بل والسيكولوجية الاجتماعية للشعوب التي زارها في رحلته المعروفة في القرن الرابع الهجري.

فيقول مثلا حول مدينة تبريز الايرانية : (مدينة، عامرة، قست طولها وعرضها بقدمي، كان كل واحد منهما الف واربعمائة قدم). او انه يعطينا معلومات دقيقة حول مسجد الاقصي وساحته وسقفه واعمدته حيث تنقلها وبعد 11 قرنا الموسوعة الفلسطينية لتشرح لنا مميزات المسجد ووضع مدينة القدس انذاك.

يقول ناصر خسرو في قسم من رحلته: (عند وصولنا البصرة كنا متعبين، شبه عرايا،كالمجانين حيث كنا لم نفتح شعر رؤوسنا منذ ثلاثة اشهر. فقررنا ان ندخل حماما عاما للتدفئة حيث الطقس كان باردا ولم نرتد الكساء. فكل ما في الامر هو ازارين عتيقين كنا نرتديهما انا وشقيقي ورقعتي قماش تحفظ اقفيتنا من البرد.

فتساءلت: من الذي يسمح لنا للدخول الي الحمام في هذه الحالة؟ وكان لي خرجا صغيرا احتفظ بكتب فيه؛ فبعته وحصلت علي بضعة دراهم سوداء لفيتها في ورقة لاعطيها الي صاحب الحمام لربما يسمح لنا بالبقاء مدة اكثر في الحمام كي ندفع الوسخ من اجسادنا. فعندما اعطيته الدارهم حدق بنا متصورا باننا مجانين). فهي بالتأكيد تجرية شاقة وصعبة ترافقت مع هذه الرحلة التي قطع فيها الشاعر والداعية والرحالة ناصر خسروالبلخي، مئات الفراسخ حيث نقل هذه التجربة الثمينة بلغة شاعرية لايزال وبعد مرور عشرات القرون لم تندرس حيث تشكل ذروة النثر الفارسي.

اذ نشاهد حتي في عصرنا الحاضر كيف تأثر كتاب وروائيين بنثره السليس والفني؛ وهاهو الروائي والمفكر الايراني جلال آل احمد وفي القرن العشرين يجدد في النثر الفارسي متاثرا بنثر ولغة ناصرخسرو ويقدم لنا نثرا ادبيا جديدا في الادب الفارسي الحديث. ففنية ناصرخسرو لاتكمن في شاعريته ولغته الادبية وزخرفته للالفاظ والمفردات في النص الادبي كما هو نثر الحريري او الحميدي وما لف لفهما، بل ان نصوص ودواوين البلخي تحمل في طياتها، خبرات وتجارب سربها الكاتب الموهوب في دماء النص بذكاء وبراعة خاصة به.

ويتعرض ناصر خسرو في البصرة لرجم الحجارة من قبل اطفال كانوا يلعبون في الشارع وذلك بسبب شعره الاشعث ولباسه المندرس، حيث يجلس في مكان ما ويتامل في امر الدنيا وكيف فعلت به؛ لكن وبعد ايام يراه ملك الاهواز صدفة ويعرفه ويبدي احترامه لفضله وعلمه وينقذه من تلك التعاسة.

ويقول ناصر خسرو في هذا الشأن “لم تتجاوز الفترة بين هاتين الحالتين الا عشرين يوما،اذ ذكرت هذا الفصل ليعلم الناس انه لايجب ان يشكو المرء اثر شدة في الحياة ولا تصيبه خيبة امل من فضل ربه ورحمته جل جلاله وهو رحمان رحيم”. كما لابد وان نذكر ان ناصر خسرو كان مواليا للضعفاء ومعارضا للخلفاء والاباطرة، فعليه اعتنق المذهب الاسماعيلي ــ الذي كان يمثل الايديولوجيا الثورية والمعارضة في عهده ــ وزار الفاطميين في مصر حيث اصبح داعية لهذا المذهب طيلة حياته.

طهران

نُشر هذا المقال اول مرة في جريدة الزمان الدولية في تاريخ 20/10/2003

 

جديد الموقع

هورنا مجفف وهورهم يبهر العالم رحلة أحوازية الى ارض النهضة ؛ فلورنسا والبندقية- يوسف عزيزي: في العام ١٩٧٦ وخلال رحلتي الى اوروبا وشمال افريقيا لم اتمكن انا ومرافقي الجيلكي علي مقدسي من زيارة مدينة البندقية، حتى ان سنحت لي الفرصة ان اقوم بذلك في الفترة ٢٧-٣١ يوليو ٢٠٢٢، ومن ثم زرت مدينة فلورنسا من ٣١يوليو -٣ اغسطس من نفس العام . مدينة البندقية، التي توصف ب”ونيز” بالانجليزية ، مبنية على المياه، ما عدى المطار – واسمه ماركوبولو – وبعض الاراضي اليابسة المتصلة به. وماركوبولو (١٢٥٤-١٣٢٤م) ابن هذه المدينة معروف بمغامراته ورحلاته الى الشرق وخاصة الهند والصين في القرن الثالث عشر. وقال لي شخص يعرف الأهوار والمستنقعات ان البندقية قامت على بعض المناطق اليابسة في الأهوار الواقعة على هامش البحر وانا اتصور ان تلك الأهوار كانت تشابه اهوارنا كهور الحويزة والعظيم، وان مباني البندقية تم تشييدها على بقع يابسة مرتفعة كتلك التي نحن نصفها ب”الجبايش” في اهوارنا، لكن هنا في اوروبا اصبحت البندقية مدينة تبهر العالم وتجلب الملايين من السياح ليدروا عليها ايرادات تعادل بل تفوق ايرادات النفط التي يُستخرج من أهوار الحويزة والعظيم والذي ادى الى ان تجفف الشركة الوطنية الإيرانية للنفط هذه الأهوار لتتمكن وبمشاركة الشركات الصينية ان تنهب نفط تلك المنطقة وتدمر البيئة وتهجر السكان الأحوازيين من هناك.وفي مدينة البندقية القائمة على مياه البحر الادرياتيكي، لاترى تكسي ولا سيارة ولا حافلة، فكل ما في الامر هو: تكسي بحري وباص بحري. بل شاهدت ان بعض القوارب الكبار تقوم بمهمة الشاحنات لنقل التراب من المباني التي يتم تهديمها وكذلك لجلب الطوب والاسمنت وسائر مواد البناء. كما توجد في البندقية اشارات مرور لكن ليس في الشوارع المبلطة كما في كل مدن العالم بل في مفارق الشوارع المائية. وهناك العديد من الفنادق في المدينة لكننا كمجموعة استأجرنا شقة لانها كانت ارخص. هنا تشاهد الكنائس العديدة وقصور الدوقات (جمع دوق، حاكم الإمارة) ومركزها الرئيسي ساحة San Marco “سن مارك” في وسط البندقية. هناك قصر رئيسي في هذه الساحة والى جنبه سجن المدينة الذي يقع قسمه التحتاني في الماء. وقد زرنا كنيسة St Zaccaria (القديس ذكريا) وشاهدنا ارضيتها المغمورة بالمياه. وبين العديد من الجسور المبنية على الشوارع المائية هناك جسر يوصف بجسر الشجار حيث كان المنتسبون للنقابات المختلفة في القرون المنصرمة يتجادلون ويتشاجرون هناك، يمكن ان نصفه بجسر “البوكسيات” باللهجة الأحوازية. كما توجد جزيرة بالقرب من المدينة توصف ب “ليدو” يمكن الوصول اليها بالتاكسي او الباص البحري. وبعد الوصول الى محطة الجزيرة يمكنك عبور عرض الجزيرة مشيا على الاقدام خلال عشر دقائق وهناك تصل الى ساحل رملي مناسب جدا للسباحة لان عمق البحر يزداد بالتدريج وبعد نحو ثلاثين مترا تستطيع ان تسبح في المكان العميق الذي لايمكنك المشي فيه. وقد تطورت التجارة في البندقية في القرن الثالث عشر الميلادي اثر جهود عائلة ماركو بولو واخرين حيث تزامن ذلك مع انبثاق عائلة مديشي المصرفية والسياسية في فلورنسا. وكانت البندقية امارة مستقلة قبل توحيد ايطاليا من قبل غاريبالدي في القرن التاسع عشر. لكن الشعب هنا وفي اخر انتخابات او استفتاء في العام ٢٠١٩ رفض الاستقلال واستمر في الحياة مع ايطاليا محتفظا بحقوقه الثقافية والسياسية. ويبدو ان الامر يعود الى الوضع الاقتصادي المناسب للمدينة بسبب السياحة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي في شهر نوفمبر وتدر الاموال على هذه المدينة. كما ان لغة اهل البندقية لاتختلف كثيرا عن الايطالية حسب ما سمعت منهم. في فلورنساتبعد نحو ساعتين بالقطار من البندقية ولعبت دورا تاريخيا في انبثاق عصر النهضة والذي كان نقطة انعطاف في الحياة العلمية والفنية والثقافية في اوروبا بل والعالم. فعلاوة على العديد من الكنائس الكبيرة هناك متاحف تضم تماثيل ولوحات من مايكل أنجلو، ورافائيل وأخرين تبهر البصر وتثير الاعجاب. ويعد متحف Uffizi museum اهم هذه المتاحف. اذ كانت فلورنسا – كالبندقية – تعج بالسياح الوافدين من كل اصقاع العالم وذلك بعد عامين من الغياب بسبب جائحة الكرونا. ولفت انتباهي في المدينة كثرة الباعة العرب المغاربة والباكستانيين وبعض الافريقيين السود الذين يبيعون اشياء بسيطة على الارصفة. وقد قال لي سائق تاكسي كهل اقلنا من المدينة الى المطار بعد ان سألته عن الوضع الاقتصادي للناس قال: “اني اعيش في الضاحية لان المعيشة ارخص هناك”، وعن الاتجاهات السياسية هناك اكد انه اشتراكي وليس شيوعي ولا اشتراكي ديمقراطي. وعندما سألته عن برلينغرئر زعيم الحزب الشيوعي الايطالي – وهو اكبر حزب شيوعي في اوروبا – قبل خمسين عاما قال انه يتذكره ودون ان اسأله ذكر لي اسم أنتونيو غرامشي الفيلسوف السياسي اليساري الايطالي واصفا اياه بالعظيم وقد ايدت كلامه، حيث حكم عليه الفاشيون الحاكمون في ايطاليا في الثلاثينيات من القرن الماضي بالسجن لمدة عشرين عاما، وقد الف معظم كتبه هناك رغم الرقابة الصارمة. وقد استند الى نصوصه العديد من المفكرين العرب بما فيهم محمد عابد الجابري. كما ان دانتي أليغييري الشاعر الايطالي ومؤلف كتاب الكوميديا الإلهية ايضا من مواليد فلورنسا وكان معاصرا لماركوبولو.وكذلك ولد ومات المفكر والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافيلّي في هذه المدينة وهو الذي عاش في عصر النهضة والف كتاب “الأمير” الذي يعتبر احد اهم كتب الفكر السياسي، والماكيافيلية معروفة لحد الان كمدرسة في السياسة.وتقع جمهورية سان مارينو المستقلة ضمن خريطة ايطاليا وعلى الشرق من مدينة فلورنسا. وهي الى جانب الفاتيكان تعتبر ثاني دولة مستقلة ضمن هذه الخريطة وثالث اصغر دولة في اوروبا، وعاصمتها ايضا تسمى سان مارينو. مساحة هذه الجمهورية الجبلية ٦١ كيلومتر مربع وعدد سكانها ٣٣٤٠٠ نسمة، وقد تأسست كدولة جمهورية في القرن الرابع الميلادي. وفي العصر الحديث، اعترف مؤتمر فيينا في العام ١٨١٥ باستقلال سان مارينو دوليا. اما الدولة الثانية في خريطة ايطاليا هي الفاتيكان التي تقع في العاصمة روما وزرتها في العام ٢٠١١. قارن ذلك بما وقع لمملكة عربستان المستقلة ومن ثم المتحالفة مع الممالك الاخرى في بلاد فارس. هذا ما ناقشته هاتفيا مع ابن بلدي سعيد سيلاوي الأحوازي الذي يقيم في مدينة بولونيا – بين البندقية وفلورنسا- والذي لم استطع من زيارته هناك رغم اصراره وزوجته ام فهد التي خاطبتني قائلة : “عليكم ان تزورونا” وعندما قلت لها ان عددنا كبير ومنزلكم صغير ذكرتني بالمثل الأحوازي: “موش مشكلة، ان البرة لنا والداخل لكم”.


الإستعلاء العرقي الفارسي ومعاداة العرب


حوار مطول لقناة الشرق مع يوسف عزيزي


ثورة الأحواز” توحّد الهتافات برحيل نظام الملالي”


جرائم لايمكن السكوت عنها


فيسبوك

تويتر

ألبوم الصور